في رحاب مملكة الدراويش

سعيد حجازي

سعيد حجازي

كاتب صحفي

«من ذاق عرف ومن عرف اغترف ومن اغترف اعترف ومن اعترف أدمن ما عرف».. تعبير صوفى شهير يرتبط بالحالة الروحية والوجدانية للعبد، التى يصل إليها فى محبة خالقه، يقول عنها الصالحون إنها الشعور بالرضا والراحة، فالحب فى حقيقته ميل القلب، ليكون المخلوق متعلقاً بالخالق. وهذه الدرجة يطلق عليها «درجة الأنس»، حيث يروى بحب الله سبحانه وتعالى ويتناول المحبة، فتتخلل فى جسمه، فيحصل له أنس بالله.

هنا تكون قد وصلت لمملكة الدراويش، حيث تكون فى مقام الحب، فتقول سيدة أهل العشق الإلهى رابعة العدوية «أحبك حبين حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاك»، وفى قول آخر للولى التقى وإمام زمانه الإمام محمد بن على زين العابدين الشهير بـ«محمد الباقر»: «وهل الدين إلا الحب؟».

على سفينة «الدراويش» تبحر الإعلامية قصواء الخلالى فى بحار التدين المصرى، وبأسلوبها الفريد ورونقها المبهر تقدم حقيقة الفكر الإسلامى الوسطى، تشتبك مع أعماق الفكر الصوفى الروحانى حيث المنشأ والمنبع فى مصر وتطوره على مدار العقود الماضية، ترصد طبيعة الاعتدال الدينى المصرى التاريخى، ومواجهته للتطرف الدينى، وكيف تصدت الوسطية المصرية لتيارات الإرهاب الفكرى، حيث تستضيف الإعلامية المرموقة فى البرنامج كبار رموز وعلماء وقادة الفكر الإسلامى. وتشهد الحلقات أيضاً مشاركة لكبار المنشدين والمبتهلين والمداحين بأنشودات المدح للنبى محمد صلى الله وعليه وسلم، بجانب وثائقيات لمساجد آل البيت فى مصر وتاريخها ومعالمها، وأشهر الأضرحة والمقامات.

صدقت «قصواء» حينما قالت إن التصوف علم قائم بذاته له قواعد وشيوخ وأصول ومنهجه القرآن الكريم والسنة النبوية، ومقاماته كثيرة فى قلوب المصريين ومؤصلة لروحانياتهم، التصوف أول الطريق وهو أصل الطريق. تأثر المصريون بأقطاب الصوفية فأحبوا السادة أحمد الرفاعى، وعبدالقادر الجيلانى، وأحمد البدوى، وإبراهيم الدسوقى، وابن عطاء الله، القنائى، وغيرهم، لأنهم كانوا على علم.

فالتصوف هو انعكاس لطبيعة الإسلام الحقيقية، بعيداً عن التطرف والتشدد، والإحصائيات تؤكد أن غالبية المصريين محبون للمنهج الصوفى، البسطاء من آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا الطيبين فى مصر هم من أهل التصوف «الدراويش» الذين يتقربون إلى الله بالإحسان.

المتصوف يكون متصفاً بصفات أهل العشق الإلهى تلك الصفات التى يحبها الله فى عباده، فالمؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه، وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه، لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة، ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة، وهى تحسره فى الدنيا، وتروحه فى الآخرة. وكان سيدنا أبوبكر كما أورد صاحب «الإحياء» رضى الله تعالى عنه يقول: من ذاق من خالص محبة الله تعالى، شغله ذلك عن طلب الدنيا، وأوحشه عن جميع البشر.

يعتقد البعض أن وجود 78 طريقة صوفية يجعلها متناقضة، لكنها فى الحقيقة فروع من أصل واحد، فالأصل هو الكتاب وسنة النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد اختلاف فى المنهج الإسلامى فالكل يدعو إلى الواحد الأحد، واختلافات الطرق الصوفية هى اختلافات فى طريقة الشيخ والأوراد القائمة عليها الطريقة وارتياح المريدين، لكن الكل ملتزم بمنهج الكتاب والسنة.

وفى الرسالة القشيرية، للإمام أبى القاسم القشيرى، يصف الإمام حال أهل التصوف ومسالكهم وأخلاقهم وأفعالهم وطرق تقربهم إلى الله، حيث أكد أنَّ التصوف تطبيق كامل لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل ما يخالف هذا ليس من التصوف فى شىء، وأن أصل التصوف هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أهل التصوف يرفضون البدع.

أزعم أن «قصواء» ستكون مسك ختام رمضان، وأنتظر منها الجزء الثانى من المملكة حيث تغوص فى ساحات الأئمة الكبار للتصوف والمفكرين الصوفيين المسلمين، حيث الشاذلى وابن عطاء الله، ومحيى الدين عربى، والسهرورى، وفريد الدين العطار، وجلال الدين الرومى، وأبى منصور الحلاج. وفى الختام، أوجه التحية والتقدير للشركة المتحدة على دورها المهم فى بناء الوعى المصرى واستعادة الهوية المصرية وتبيان الحقائق والانتصار للوعى والفكر والثقافى المصرى.