محمد مسعود يكتب: «شمس» الدراما المصرية تسطع من جديد بـ«الحشاشين» و«جودر» و«مليحة»
- الدراما
- السباق الرمضانى
- «الحشاشين»
- «جودر» و«مليحة»
- الدراما
- السباق الرمضانى
- «الحشاشين»
- «جودر» و«مليحة»
منذ وقت ليس بعيداً، مرت الدراما المصرية بمرحلة من تغيير الجلد، ظن المتشائمون أنها انتهت تماماً ولن تقوم لها قائمة، بينما تفكر المتعقلون فى أسباب هذا التراجع المنطقى، وحاولوا تفسيره، وتحديد أسبابه، هل كان السبب فى ضعف النصوص وسوء مستوى الكتاب وكذلك المخرجون؟ أم أن السبب هو الاختيار العشوائى للموضوعات المقدمة واختيار من يخرجها أيضاً؟ أم لأن ثمة «جاب» وهوة أخذت فى الاتساع بين عبقرية جيل متمرس صنع العصر الذهبى للدراما المصرية، وقلة خبرة جيل يتحسس الطريق، وهو يحمل فوق رأسه إرثاً كبيراً وثقيلاً من نجاحات الصناع الأولين، فأحنت رأسه ولوت عنقه، فسقط بها ولم يقدر على السير بها، فأصبحت الدراما المصرية سلعة بائرة.
شخصياً، جالت التساؤلات سالفة الذكر فى خاطرى، وتفحصتها بعقلى وبتجربتى بحكم قربى من أسطوات وصناع وأساطير وملوك الدراما منذ أن عملت بمهنة الصحافة وبالتحديد منذ ربع قرن!، وجدت أن الجاب أو الهوة السحيقة كان لا بد أن تحدث وأن حدوثها هو سُنة حياة نعيش فيها بقدر ما قدر لنا، طبيعى أن يهتز ويقل ثقل الدراما بوفاة ممدوح الليثى ويحيى العلمى ونور الدمرداش وأحمد توفيق ومحمود مرسى وأسامة أنور عكاشة ومحسن زايد وصالح مرسى ومصطفى محرم ويسرى الجندى ومحمد صفاء عامر، وشاب كان واعداً مثل أسامة غازى مؤلف «أوبرا عايدة»، ولهؤلاء المفقودين جميعاً باع كبير وأعمال عظيمة.
وإذا كان بقى من المخرجين ما يستطيع أن يكون همزة الوصل بين جيلين مثل الأساتذة «محمد فاضل وإنعام محمد على ورباب حسين ومجدى أبوعميرة وأحمد صقر»، فلم يبق من المؤلفين ما يمكنه أن يصل بين العصر الذهبى والسنوات القادمة، فمنهم من سقط فى فخ التكرار، ومنهم من تجاوز الزمن حدود تفكيره، وأصبح ما يشغله لا يلائم جيل المشاهدين الجدد، على المنصات أو حتى شاشات التليفزيون، فكما تتبدل الأفكار، يتبدل الجمهور، فجمهور «الكبير أوى» غير جمهور «ميزو»، وجمهور «المال والبنون» غير جمهور «مسار إجبارى»، وهنا يمكنك أن تسند أعمالاً لمحمد فاضل ومجدى أبوعميرة -وأتمنى رباب حسين قريباً- لكنك لا ترى أعمالاً لمؤلفين من نفس جيلهم، وربما الوحيد من المؤلفين الذى وُجد بين العصرين ونجح فى الاستمرار هو عبدالرحيم كمال صاحب رائعتى «الرحايا» مع العظيم الراحل نور الشريف والمخرج حسنى صالح، و«الخواجة عبدالقادر» مع الدكتور يحيى الفخرانى، أطال الله عمره، وكانت سنوات صناعة العملين هى الأخيرة فى عصر المجد الدرامى.
وأمام كل هذه الحسابات المعقدة، عن سنوات سقطت فيها الدراما المصرية فى خندق، فصل عصرها الذهبى القديم، عن مستقبلها المنتظر الذى كان غائماً، جاء هذا الموسم الدرامى بالتحديد، لتسطع فيه شمس الدراما المصرية من جديد، بعد خروجها نهائياً من سحابة أخفت نور نجاحها بثلاثة أعمال تعتبر هى الأهم خلال السنوات السابقة وربما منذ عام 2010.
لكن قبل الحديث عن الأعمال الثلاثة لماذا أرى أن هذا الموسم بالتحديد، رغم وجود أعمال جيدة فى سنوات سابقة، أجزم أن المواسم السابقة لم يكن بأى منها ثلاثة أعمال فى حجم وثقل «الحشاشين» و«مليحة» و«جودر» فى موسم رمضانى واحد.
مسلسل «الحشاشين» أثبت أن الدراما المصرية عادت بمنتهى القوة، من خلال عمل مكلف إنتاجياً، مؤثر درامياً، ورغم أننى لا أحب وصف أى عمل فنى بأنه وثيقة وتأريخ لفترة زمنية، لأن التاريخ يخضع فى الغالب لوجهة نظر الكاتب، لكن ردود الفعل التى صاحبت العمل وأرقت جماعات الإسلام السياسى، وكشفت عن أول جماعة تمارس الاغتيالات الإرهابية وهى جماعة الحشاشين لحسن الصباح وهو الأب الروحى لمنهج عنف الجماعة اللعوب التى تسمى بـ«الإخوان المسلمين».
أما على المستوى الفنى، فأماكن التصوير، والصورة وكادرات وإخراج المعارك كانت كفيلة بعمل حالة من الإشباع الفنى تدعوك للفخر، لأن ما تشاهده على الشاشة منتج مصرى برع كاتبه ومخرجه والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فى تقديمه.
أما المسلسل الثانى، فهو مسلسل «مليحة»، من أهم الأعمال المقدمة فى الموسم الرمضانى الحالى، فهناك أجيال لا تعلم عن أصل القضية الفلسطينية شيئاً، وتدور أحداثه حول الفتاة الفلسطينية «مليحة» التى اضطرت إلى ترك وطنها بعد أحداث الانتفاضة عام 2000، لتقيم مع جديها فى ليبيا، وتعمل ممرضة بأحد المستشفيات بها، وبعد اندلاع الثورة الليبية 2012 تقرر «مليحة» العودة إلى غزة عن طريق مصر، لكن رحلتها تتعرض لصعوبات كثيرة بعد فقدان أوراقها الثبوتية، ومخاطر السفر عبر الحدود، إلى أن تلتقى بضابط حرس الحدود المصرى على الحدود الليبية «أدهم»، يساعدها ويدعمها، يلعب دوره الفنان دياب، وتتغير حياتها على هذا النحو.
«سيرين خاس» التى تقدم دور «مليحة» عانت فى حياتها الحقيقية فى وطنها أسوة ببقية أبناء شعبها، وعلى ذلك قدمت بعض المعلومات الحقيقية لأسرة المسلسل الذى لاقى ردود فعل إيجابية فى فلسطين، كما أكدت الفنانة روفى الشناط التى تشارك ضمن أحداث المسلسل، وأكدت أن والدها فى غزة عندما علم بأمر مشاركتها بالمسلسل المصرى الذى يدعم القضية الفلسطينية سعد للغاية، وكانوا فى قمة سعادتهم لشعورهم بأنهم وسط زحام الأعمال الرمضانية لم يسقطوا من ذاكرة مصر، مع تأكدهم أنه عمل فنى مهم ينصف قضيتهم.
ويظهر الفنان دياب ضمن أحداث مسلسل «مليحة» بدور ضابط حرس الحدود «أدهم»، وبحسب مؤلفة المسلسل، فإن الدور يختلف تماماً عن أدوار الضباط التى قدمت خلال الفترة الأخيرة، لكونه يخدم فى سلاح حرس الحدود الذى يقدم دوراً مهماً للغاية، ويشهد بطولات ضباط مصريين فى حماية حدود وطنهم، مؤكدة أن شخصية «أدهم» خلال أحداث المسلسل تمثل الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية.
المسلسل تم تصويره فى مصر وليبيا وعبر السلوم، وقد يتم إنتاج جزء ثانٍ منه كما أكدت مؤلفته.
العمل الثالث وهو «جودر» الذى كتبه أنور عبدالمغيث وأخرجه إسلام خيرى، ولعب بطولته ياسر جلال وياسمين رئيس، يعيدنا إلى زمن «ألف ليلة وليلة» بتقنيات عصرية عالمية، شخصياً استمتعت منذ الصغر بألف ليلة وليلة التى كان يقدمها عبدالسلام أمين وطاهر أبوفاشا والمخرج الكبير القدير الراحل فهمى عبدالحميد، تربيت على صوت العظيمة زوزو نبيل وعبقرية شريهان، واستمتعت بتيتر سميرة سعيد وبهاء وجه نجلاء فتحى وأداء حسين فهمى وإخراج عبدالعزيز السكرى، تربينا على «ألف ليلة وليلة» فى مواسم مختلفة.
وهنا كمنت صعوبة تنفيذ مسلسل «جودر»، فهو عمل يلعب فى ثوابت الوجدان، وكانت الحسابات قبل عرضه تدعو للخوف، فما ذلك العمل الذى سيعوضنا شريهان وفهمى عبدالحميد وعبدالسلام أمين، لكن مع عرضه، استوعبناه وأحببناه وكان مهضوماً، تشاهده وكأنك تشاهد «مملكة الخواتم».