د. علي جمعة وتوظيف العمل الخيري لصالحه
مؤسسة مصر الخير مؤسسة تنموية غير هادفة للربح، وغير حكومية، أُنشئت عام 2007م، بالاستناد على هيكل مؤسسى، لا يعتمد على الأشخاص، بل على العمل المؤسسى، من خلال أحدث منهجيات العمل المؤسسى التنموى، من أجل تنمية الإنسان، تحت مظلة «مصر الخير»، وتعمل فى مجالات متعدّدة، على رأسها: دعم الفقراء والمحتاجين، والصحة، والتعليم، والبحث العلمى، والتكافل الاجتماعى، وتستقبل أموال الزكاة والصدقات والتبرّعات، حيث تقوم بصرفها فى مصارفها الشرعية.
يرأس مجلس الإدارة فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة -المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف- ومعه فريق على أعلى مستوى من الخبرة والعمل التنموى والخيرى، وكلهم ينتمون إلى الدولة المصرية، ويحرصون على إسعاد المصريين، بما يقدّمونه من خدمات متنوعة.
مشكلة العمل الخيرى فى مصر وكثير من البلدان، هى استغلال العطاء للتوظيف الأيديولوجى والفكرى، ولا يخفى ما قامت به جماعة الإخوان والتيارات السلفية من استخدام العمل الخيرى فى نشر أفكارها، وتجنيد الشباب والناشئة، بداية من حَضَانات الأطفال، حتى اللقمة التى تصل إلى فم جائع، وحدث التباس بين تمويل التطرّف، وعملية التجنيد للأفكار، وبين العمل الخيرى الإنسانى، والنموذج الأشهر كان فى تونس ومصر، حيث وظَّفت الجمعياتُ المساجدَ ودورَ الخدمات لصالح أفكارها، وأهدافها الأيديولوجية، واستغلت الكوارث والفقر والمرض لصالح التنافس السياسى، والتجنيد لأهدافها، والتنافس الانتخابى، وهو سلوك غير أخلاقى، يرفضه الشرع، وتأباه المروءة، وأدى إلى حصار بعض الجمعيات، ومراقبة أنشطتها، وتجفيف منابعها، وخنق مواردها.
«مؤسسة مصر الخير» ضربت نموذجاً يُحتذى فى عدم التوظيف والاستغلال الفكرى للعمل الخيرى، فالدكتور على جمعة من أكبر الداعين إلى المنهج الأزهرى بمعالمه وأركانه الثلاثة الكبرى: (العقيدة الأشعرية - المذهبية الفقهية - التصوف السنى)، ويتفرّع عن ذلك تبنى الشيخ لاختيارات الأزهر الشريف فى المسائل والقضايا، وعلى رأسها: دعم الوطن، ومحاربة تنظيمات وتيارات التطرّف والتشدّد، ومع ذلك لم يقم يوماً ما بتوظيف العمل الخيرى لخدمة أفكاره ومنهجه، مع أن الأمر لو حدث لكان مستساغاً مقبولاً، بل مطلوباً، لأنه يدعو للأزهر ومنهجه ومعالمه، وتلك دعوة ليست حزبية ولا سياسية ولا أيديولوجية، ونافعة للأمة والوطن.
سوف تجد شخصاً يكتب فى تكفير الشيخ على جمعة وتضليله والتطاول عليه، ويكون الشيخ هو من أخرج والدته الغارمة من السجن عن طريق «مصر الخير»!! وتجد هذا الذى يقول له: ماذا قدّمت لنفع الناس؟! يقول ذلك، وقد أشرف الشيخ على جمعة على اللقمة التى يضعها هذا الشخص فى فمه عن طريق «مصر الخير»، (للشيخ عطاءات لا تُحصى فى الإنفاق على الفقراء وطلبة العلم من ماله الخاص).
إنها قمة النزاهة والسمو: أن تُبعِد العمل الخيرى عن الانتماءات والأفكار والمناهج، لذلك بقيت «مؤسسة مصر الخير» برجالها، وبقيت المؤسسات والجمعيات المماثلة، واختفت جمعيات التوظيف والاستغلال.
ولا ينبغى المغالطة بالاستشهاد بآية: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»، لأن الآية -كما قال أساتذتنا- تُجيز الإعلان عن الصدقة فى سياق فعل الخير والحث عليه، وليس فى سياق توظيفها سياسياً أو فكرياً، لصالح المتصدّق أو مشروعه الفكرى، حتى قالوا: «إذا ساعدتم محتاجاً، فلا تطلبوا منه الدعاء لكم حال مساعدته، لأن فى ذلك شبهة استبطان النفس للشعور بالتفضّل عليه، وطلب المقابل لهذا الإحسان، وهذا ما يجرح نفسية المحتاج».
والحاصل أن «مصر الخير» برجالها وأعضائها، وعلى رأسهم الدكتور على جمعة، كانوا وما زالوا متصلين بحفظ كرامة الإنسان الفقير والمريض والمحتاج، وحفظ كرامة الغارمات، من أن يكونوا سلعة رخيصة فى متجر التنافس السياسى، أو التدافع الفكرى، فكان من الطبيعى أن تُقدم «مصر الخير» عملها الإنسانى الخيرى للمحتاج والمريض، دون النظر إلى انتمائه أو تياره أو ما تستفيده منه، وهو ما لم تفعله الجماعات والتيارات المتطرّفة والمتشدّدة، يوم أن جعلت الفقراء والمحتاجين سلعة رخيصة لعمليات التجنيد لأفكارها.