ماذا فعلت مصر مع هبة السويدى؟؟

محمد فتحى

محمد فتحى

كاتب صحفي

قبل الثورة لم يكن اسم هبة السويدى معروفاً لدى قطاعات عديدة من الناس. سيدة أعمال من عائلة شهيرة لا تحب الشهرة ولا الأضواء، تفرغت لتربية أبنائها، ووهبت نفسها للعديد من المشروعات الخيرية، وكانت تعطى دروساً للأطفال فى إحدى الجمعيات الخيرية، ثم قامت الثورة، وسقط شهداء وسالت دماء وأصيب من أصيب بطلقات وخرطوش، فتحول شباب فى منتهى الإقبال على الحياة إلى مجموعة من (العجزة) بعد إصابتهم فى أنحاء متفرقة من أجسادهم، وبقلب الأم نزلت هبة السويدى لتمارس عملاً كان مطلوباً منا جميعاً لكنها قامت به نيابة عنا، لتدخل مستشفى قصر العينى الفرنساوى وتفتش عن مصابى الثورة وتبدأ رحلتها فى علاجهم، والمساهمة فى تسفيرهم للعلاج فى الخارج لإنقاذهم من الموت الذى رأته يعانق شباباً (زى الورد) ويأخذهم أمام أعينها، فهكذا رأت أحد مصابى جمعة الغضب يحتضر بين يديها، وهكذا فارق محمود قطب الذى دهسته السيارة الدبلوماسية المجهولة أيام الثورة الحياة أمام عينيها التى ذرفت من الدمع ما لم يذرفه سواها، وهكذا قررت أن تكون أماً للمصابين، تجمع لهم التبرعات ممن تعرفهم وتثق بهم، وتدفع من جيبها الملايين لعلاجهم، وتتفق مع المستشفيات لتخفيض نفقاتهم، وتذهب للسفارات للاتفاق معها على علاج العديد من مصابى الثورة فى الخارج على نفقة هذه الدول أو على نفقتها الشخصية، وكانت هبة السويدى حريصة على عدم الظهور أو ادعاء بطولة تستحقها أو سرقة أضواء سلطت على غيرها ممن يتاجرون بالشهداء ومصابى الثورة، إلا أن اسمها بدأ يتردد من المصابين أنفسهم الذين أصبحوا ينادونها (ماما هبة)، ليبدأ الجميع فى معرفة هذه السيدة العظيمة التى لم تجر خلال ما يقرب من العامين سوى حوار صحفى واحد مع زميلنا محمد الجارحى، ورفضت الظهور فى كل البرامج التليفزيونية، كما رفضت العديد من المناصب التى عرضتها عليها الدولة لإيمانها أن ما تفعله أكبر من أى منصب أو انتماء سياسى، وأنها ليست بحاجة لمنصب لتفعل ما تفعل، فى الوقت الذى كانت فيه الدولة نفسها مهملة فى حقوق مصابى ثورتها، ومجلس الشعب المنحل يصرخ بحقوقهم دون أن يمنحها لهم، أو يتابع صرفها، بينما المصابون يتعذبون كل يوم من هذا الإهمال ولا يقف بجانبهم سوى هبة السويدى وعشرات الأسماء التى لم نعرفها بعد والذين رضوا أن تكون هذه السيدة واجهتهم ومندوبهم الدائم عند مصابى الثورة. أكملت هبة السويدى دورها فشاركت كذلك فى علاج بعض مصابى ثورة ليبيا والتأهيل النفسى للسيدات الليبيات اللاتى اغتصبهن مرتزقة القذافى، وما زالت هبة السويدى تقوم بدورها رغم (النفسنة)، و(الحرب) التى تدار ضدها، وحياتها الشخصية التى تأثرت كثيراً لإيمانها بمبدأها. طيب: ماذا فعلت مصر مع هبة السويدى؟ لم يساعدها أحد من هؤلاء المسئولين الرسميين.طردت إحدى الموظفات مساعديها من مركز إعداد القادة وقت أن كانوا يعاونون المصابين وقالت لهم: «ده صندوق مصابى الثورة مش بتاع هبة السويدى»!!، قبل أيام خرج أحد المحامين ليقدم ضدها بلاغاً بالتربح من صندوق مصابى الثورة التى تقف هى على خلاف معه منذ اليوم الأول لعملها الذى لا تتقاضى عنه أجراً ولا تحتسبه إلا عند الله، ورغم يقينى أن هذا البلاغ (فشنك) وسينزل على (فشوش) فإن الألم الذى لحق بى لإهانة هذه السيدة التى لم أشرف يوماً بمعرفتها ولا مقابلتها كان عظيماً. عزيزى الرئيس مرسى. هذه السيدة قامت بدور لم تقم به أنت ولا حكومتك ولا جماعتك، وأقل شئ تقدمه لها هو أن تمنحها قلادة النيل التى تستحقها أكثر من هؤلاء الذين لم تسألهم عن من قتلنا ولم تحاكمهم عن مسئوليتهم، بل أعطيتهم قلادة النيل. هبة السويدى تستحق يا مرسى.