حلمي النمنم يكتب: مرحلة جديدة

حلمي النمنم يكتب: مرحلة جديدة
من المقرر أن يؤدى الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الأيام القليلة القادمة، اليمين الدستورية للفترة الرئاسية الجديدة، التى تمتد حتى سنة 2030، وهذا يعنى أننا إزاء مرحلة جديدة من العمل السياسى وأداء الدولة لمهامها وأدوارها، طبعاً لن تنفصل هذه المرحلة عما سبقها، ذلك أن هناك خططاً وضعت بالفعل ومشاريع تبدأ التنفيذ وسياسات فى إطار التطبيق الفعلى، لكن ليس معنى هذا أن تكون المرحلة الجديدة تكراراً ولا امتداداً عادياً لما سبق، ذلك أن هناك تحديات جديدة لزمتها الظروف الأخيرة بالمنطقة وفى العالم، فضلاً عن تحديات الداخل والواقع المصرى ذاته.
الأحداث فى السودان ملتهبة وهى مفتوحة على جميع الاحتمالات، وهذا يعنى أن علينا واجباً وعبئاً فيما يتعلق بحماية حدودنا الجنوبية، فضلاً عن التزامنا تجاه الأشقاء السودانيين، وفى الشمال الشرقى ما زال الجرح فى غزة نازفاً ويبدو أنه سيستمر كذلك لفترة، وهنا علينا الانتباه، التهجير القسرى لأهل غزة إلى مصر تم تأجيله لكن لم يتم إلغاؤه بعد، كوشنر، صهر الرئيس الأسبق ترامب، كان يتحدث فى الأسبوع الماضى، واقترح أن يكون ذلك «اختيارياً».
غير قضية التهجير وتصفية القضية، فإن خبرتنا بالصراع العربى - الإسرائيلى أن كل جولة من جولات الصراع منذ حرب سنة 1948، تعقبها ارتدادات وتوابع خاصة داخل المجتمع المصرى والعربى عموماً، تتمثل فى ظهور جماعات أو مجموعات إرهابية بمسميات مختلفة، تتخذ من اسم فلسطين والقدس ذريعة، وتقوم بعمليات انتقام وتخريب داخل المجتمع، وهذا سيناريو من الاستعداد الأمنى، فضلاً عن موقف ثقافى وإعلامى واضح ينبه من الآن إلى مخاطر تلك الاحتمالات، لا قدر الله إذا عاد أولئك الإرهابيون فإن هناك تبعات اقتصادية وأخرى على السياحة، التحدى الآن هو ألا نسمح بظهورهم، وأعتقد أن مسلسل «الحشاشين» الذى يعرض حالياً يمكن أن يكون خطوة مهمة فى هذا الاتجاه.
على المستوى الخارجى ينبغى البناء على ما تم إنجازه فى ملف الدبلوماسية المصرية، علاقات متوازنة مع العالم كله، اهتمام خاص بمحيطنا العربى والأفريقى، علاقة قوية مع روسيا والصين، إلى جوار علاقاتنا المتينة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد توجت مصر ذلك خلال كلمتها بالمؤتمر الذى عقد الأسبوع الماضى فى القاهرة مع الاتحاد الأوروبى وستة من رؤساء الوزراء الأوروبيين، وانتهى إلى شراكة استراتيجية بين مصر والاتحاد، سوف يكون لها مردود إيجابى على المستويين الثقافى والحضارى، فضلاً عن العلاقات التجارية والاقتصادية.
وقد عادت علاقاتنا مع تركيا بزيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لمصر، ومن المنتظر أن يرد الرئيس السيسى الزيارة ويذهب إلى أنقرة، كما نشطت علاقاتنا مع إيران، هذا الاتجاه نحو «صفر» مشكلات على الإقليم خطوة إيجابية لا بد من السير فيها إلى النهاية ويكون لها مردود فى حياتنا الاجتماعية والسياسية، والحق أن ذلك تحقق بالروح الدبلوماسية التى انتهجتها مصر خلال العقد الأخير.
فى الداخل أمامنا عدة فرص وتحديات لا بد أن نتجاوزها، وذلك بالبناء على ما سبق أن تحقق، خاصة فى مجال التنمية المستدامة؛ توسيع مساحة المعمور بالتحرك نحو الصحراء شرقاً وغرباً؛ لبناء مجتمعات وحياة جديدة، مصر ليست الوادى فقط، بل هى كذلك الصحراء الغربية والشرقية، ناهيك عن شبه جزيرة سيناء، تم بناء مدن بالفعل، ونحتاج التوسع فى هذا المجال، المدن ليست مبانى فقط، بل لا بد من مشاريع واستثمار وتنمية، استصلاح أراضٍ، بناء مصانع، إقامة منشآت جديدة، وغير ذلك. ومن حسن الحظ أن لدينا شبكة طرق حديثة تمكننا من ذلك كله، نحتاج الآن إلى بذل العلماء مزيداً من الجهد للوصول إلى طرق أقل تكلفة، وأسرع لتحلية مياه البحر؛ كى نتمكن من الاستفادة بمياه البحرين الأحمر والمتوسط فى الزراعة والحياة.
والواضح أمامنا أن الرئيس السيسى يولى قضية العدالة الاجتماعية اهتماماً خاصاً، ولم يتردد فى اتخاذ خطوات جسورة فى هذا الاتجاه مثل مد مظلة الحماية الاجتماعية للفئات المهمشة والفقراء عموماً، ولكن بدا فى الشهور الأخيرة أن هناك من يعبثون فى مجال السلع الأساسية للمواطن، إما بالتخزين والإخفاء أو رفع الأسعار بلا مبرر، وهذا يتطلب مزيداً من الضبط والرقابة! ولا مانع من عودة تدخل الدولة لضبط الإيقاع.
وفى العامين الأخيرين حققنا خطوات مهمة فى مجال الحريات العامة، ولا بد من استمرار هذا الاتجاه، الأمر هنا يحتاج تدخلاً تشريعياً من مجلس النواب يفرق بوضوح بين الحرية والفوضى، والرغبة فى البناء، أو السعى إلى تقويض مؤسسات الدولة، هنا دور الوعى والتشريع معاً، لا الفوضى مطلوبة، ولا الكبت مرغوب، ودور المشرع وقادة الرأى والوعى أن يضعوا النقاط على الحروف فى هذه المسألة، وأنا أعلم يقيناً أن الرئيس أكثر انحيازاً نحو الحرية والتعبير عن الرأى.
وإذا كانت لدينا بنية أساسية فى مجال التنمية فيمكن القول إننا وضعنا البنية الأساسية فى مجال الحريات. مناخ الاستثمار والعلاقات الدولية الواسعة يتطلب بالضرورة مناخاً تعددياً، وهذا يليق بمصر تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً. فى مرحلة سابقة أمكن لنا مواجهة الإرهاب والاتجاه إلى التنمية فى الوقت نفسه، والمرحلة القادمة هى مرحلة التنمية والاستثمار والانفتاح على العالم بأفكار جديدة.. تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.
* وزير الثقافة الأسبق