"علي"طفل يعمل بمدبغة:"لو التعليم كويس مش هشتغل.. وريحة الجلود بتتعبني"

كتب: نانيس البيلي

"علي"طفل يعمل بمدبغة:"لو التعليم كويس مش هشتغل.. وريحة الجلود بتتعبني"

"علي"طفل يعمل بمدبغة:"لو التعليم كويس مش هشتغل.. وريحة الجلود بتتعبني"

داخل مدبغته الصغيرة التي يعمل بها، والواقعة بمنطقة المدابغ الشهيرة بمصر القديمة، وقف الطفل "علي" الذي لم يكمل عامه الـ15 بعد، يباشر عمله المكلف به بتهيئة "جلود الأرانب" لكي يرسلها صاحب المدبغة بعد ذلك للمصانع والورش، تحيطه أكوام من الجلود التي تم سلخها. وبوجه طفولي غابت عنه الابتسامة، لتحمله المسؤولية المبكرة، وبنظرات صارمة وحذرة في نفس الوقت، وقف "علي" ممسكًا بيده آلة حادة، يعرفها جيداً العاملون في "المدابغ"، تسمى "الصدارة" يستخدمها في إزالة "الشغتة" وهي "الشعر الذي يكسو جلد الأرنب". "بشتغل في الدباغة بقالي 4 سنين من وأنا عندي 11 سنة، باجي 7 الصبح وبمشي 5 آخر النهار 6 أيام في الأسبوع وباخد على كل 500 جلدة بعملها في اليوم 35 جنيه"، قالها "علي" بلغة تعبر عن نضج صاحبها. "إحنا جيل اللي شايب وهو شباب" وبتعبيرات وجه تفنت في رسم الجدية عليها مشقة العمل وقسوة الحياة، قال: "ريحة الجلود بتتعب الرئة ومن كتر ما بوطي برجع البيت حاسس بألم في ظهري وكتفي.. مش مبسوط أوي في الشغل، الدباغة أصلها حاجة متعبة بس هعمل إيه لو سبتها هحتاس على ما آلاقي شغل". وبلهجة تحمل الكثير من السخط على الظروف التي دفعته إلى العمل، قال "علي": "على فكرة أنا في المدرسة.. في 2 إعدادي دلوقتي، أنا نزلت الشغل عشان أكون نفسي وأعرف لما أكبر أخطب، أبويا مكفي إخواتي الحمد لله إخواتي 3 صبيان وبنت وبابا بيشتغل في الخردة وبيصرف علينا، بس مفيش مستقبل من التعليم ده أنا في 2 إعدادي ومبعرفش ولا أقرأ ولا أكتب". وعند سؤاله عن وجود أي تفتيش أورقابة على المدرسة قال: "لما بيكون فيه تفتيش على المدرسة بينظمونا وبينضفولنا التخت وبيجيبوا العيال الشطار يقعدوها قدام عشان اللجنة لما تدخل الفصل يطلعوهم يجاوبوا على السبورة، لكن اللي مبيعرفوش يقروا ولا يكتبوا بيقعدوهم ورا، وبعد اللجنة ما تمشي بيقعدوا كل واحد مكانه". "أنا بحبه ... بس عايز اللي يعلمني قراءة وكتابة.. مش لاقي حد يمسكني قلم وكراسة ويقولي أكتب دي أنقل دي"، كلمات قالها "علي" عند سؤاله "بتحب التعليم؟". يصمت "علي" لثواني شاردًا في ملكوته الخاص، وفجأة يشاور على طفل صغير يجلس بجواره وهو ابن لصاحبة مقهى بجوار المدبغة، أرسلته والدته لمدرسة خاصة ويقول "اللي قدامك ده في مدرسة خاصة في سنة أولى بيعرف يقرأ ويكتب وبيقرأ إنجليزي كمان.. حرام والله.. مستقبلي أنا كده راح ومستقبل ناس كتيرة أوي معانا في المدرسة راح .. عشان كده نزلت أشتغل". يختتم "علي" حديثة قائلاً: "لو التعليم كويس مش هنزل الشغل هركز في المدرسة ... إيه اللي هينزلني الشغل طالما التعليم كويس".