الدكتور أحمد ممدوح سعد يكتب: الشيخ علي جمعة العالم المربي

الدكتور أحمد ممدوح سعد يكتب: الشيخ علي جمعة العالم المربي
- " الأستاذ جمعة المحامى"
- الشيخ على جمعة
- "قناة الناس"
- شهر رمضان
- " الأستاذ جمعة المحامى"
- الشيخ على جمعة
- "قناة الناس"
- شهر رمضان
كان الأستاذ جمعة المحامى الشرعى حريصاً على أن يحدث نقلة نوعية فى حياة أولاده، فانتقل من بنى سويف إلى القاهرة وعمل على أن ينال أولاده الحظ الوافر من التعليم والمعارف، وأن يحتكوا ببيئة المدينة.
وكان هذا الوالد الكريم يشجع ابنه الفتى اليافع على القراءة والتثقف، حتى كان يشترى له أى كتاب يشتهيه من خارج ما يبذله له من مصروف شخصى، وكان يقول له: «أى كتاب تشتريه من مالك الخاص أرد لك ما دفعته مرتين، بلغ ما بلغ». فنشأ الولد محباً للمعرفة عاشقاً للكتاب.
وذلك الابن هو الشيخ على جمعة، الذى صار لاحقاً مفتياً للديار المصرية وعضواً لهيئة كبار العلماء، لكنه تعلق مبكراً بالثقافة الإسلامية، وانجذب نحو طلب العلم، وصحب الشيوخ فى داخل الأزهر وخارجه، وأكرمه الله تعالى بعد ذلك أن انتسب إلى التعليم الأزهرى بعد أن أنهى دراسته المدنية، حتى حصل على (العالمية) فى أصول الفقه.
والشيخ عالم موسوعى، إذا تكلم فى فن ظننته مختصاً به دون غيره، وإذا سئل عن مسألة أجاب واستفاض، وذكر تاريخها، وحكمها، وفلسفتها، وأثرها، والفوارق بينها وبين ما يشتبه بها، ارتجالاً دون سابق تحضير للجواب، وأما اطلاعه الواسع على العلوم المختلفة الزائدة على مجرد المعارف الدينية، واستحضاره ما أراد من ذلك متى شاء فمنحة ربانية أوتى معها موهبة استثنائية يقتدر بها على إيصال أصعب المعلومات بأيسر الطرق.
وقد جعل الله تعالى له شرف إحياء التدريس بالأروقة الأزهرية، فافتتح درسه اليومى عام 1998م، ولمدة خمس سنوات متصلة لم ينقطع عنه إلا بعد الانشغال بأعباء الإفتاء، وقرأ فيه لطلابه عيون الكتب فى الفنون المختلفة.
ومن أهم ما كان الشيخ ينبه عليه: ضرورة المزاوجة بين ما فى الكتب وبين الواقع، وأن الواقع قد يؤثر على الفتوى فتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وأنه لا بد للمفتى من إدراك النص وإدراك الواقع وإدراك الوصلة بينهما، وأن هناك فرقاً بين النص وتفسير النص وتطبيق النص، وأن كتاب الله المسطور لا يجوز أن يخالف كتاب الله المنظور، وأننا ينبغى أن نعيش واقعنا بمناهج السلف ولا نقف عند مسائلهم، وأنه ينبغى ألا نقع فى فخ تحويل المسائل إلى قضايا، وأنه ينبغى التمييز بين القطعى والظنى، وأن هناك فرقاً بين فقه الفرد وفقه الأمة، وأننا ينبغى علينا أن نعمل على فكرة توليد العلوم.
وشيخنا قرأ التراث وامتلك ناصيته وفهم لغته بعمق، ثم عبر عن ذلك بطريقة أقرب للعصر، بمضمون لم يخرج عن قواعد الشريعة، فالحقيقة واحدة والصياغة مختلفة. ومن أكبر مميزات عقلية الشيخ أنها عقلية تجريدية تبحث عن الكليات والعلل البعيدة للقضايا، ومن ثمرات هذا ما صنعه من رد علم الأصول كله إلى نظريات سبع، وهى: الحجية، والإثبات، والفهم، والقطعية والظنية، والإلحاق، والاستدلال، والإفتاء.
وأما النهضة الصوفية التى قام بها، وجهوده فى نصرة مذهب أهل السنة، وتجربته فى دار الإفتاء، والمشروعات العلمية التى عمل عليها، وتفصيل الكلام على مدرسته العلمية، وعلى مؤلفاته، والدور الوطنى المهم الشجاع الذى وقف فيه وقفة الأسد منذ اشتعال الفوضى فى البلاد فى 2011م، وجهوده فى مقاومة الفكر المتشدد، وتعريته للجماعات المتطرفة والإرهابية حتى كان الثمن أن تعرض للاغتيال ونجاه الله تعالى بفضله، وما فعله فى خدمة المجتمع، وأسفاره، وغير ذلك، فلا يمكن الوفاء به فى هذا المقال المختصر، بل يحتاج إلى مجلدات.