مشروع الدكتور علي جمعة

إبراهيم نجم

إبراهيم نجم

كاتب صحفي

منذ أن عرفت الدكتور على جمعة وشرفت بالقرب منه وأنا أرى فيه مثالاً للعالم العامل المربى القدوة المجدد، الذى يدرك متغيرات العصر ومتطلبات الواقع والمقتضيات واللوازم الاجتهادية والتجديدية إزاء تلك المتغيرات.

استطاع فضيلة الدكتور على جمعة أن يجمع خلال مسيرته المباركة بين العمل الأكاديمى أستاذاً متخصصاً فى علم أصول الفقه، ثم الانطلاق فى ميادين العمل العلمى خارج أسوار الجامعة من خلال تأسيس مدرسته العلمية المرموقة بالجامع الأزهر الشريف، ثم انطلاقه فى ميادين الدعوة والتربية والإرشاد من خلال إحيائه لدور التصوف فى المجتمع تلك المسيرة التى توجت بتأسيس الطريقة الصديقية الشاذلية.

أضف إلى ذلك توليه سدة الإفتاء التى جمع فيها بين العمل الإدارى المؤسسى المتقن والعمل العلمى الدقيق، ثم تأسيسه لأكبر مؤسسة للعمل الخيرى فى مصر وهى مؤسسة مصر الخير، ونحن نعلم جيداً تلك الأدوار الوطنية المؤثرة التى لعبها الدكتور على جمعة وبخاصة تصديه لمشروع الفكر الإرهابى، بمشروع بناء العقل الوسطى المعتدل وقد حقق فى ذلك إسهامات ونتائج مشهودة، فكلنا يعلم تلك التطورات الهائلة التى أحدثها فضيلته فى دعم الفكر الوسطى وإحياء التصوف الإسلامى وتجديد مسيرة الفكر الأشعرى.

وحينما ننظر إلى هذا الزخم ونتأمل فى أسرار تلك التجربة الفريدة المتعددة، فلا بد أن يثور فى أذهاننا العديد من الأسئلة المُلحة حول سر تأثير تلك الشخصية الفريدة، وما هو مفتاحها الذى نستطيع أن نفهم من خلاله مشروع الدكتور على جمعة المتكامل فى تجديد الخطاب الدينى، إن المفتاح الأهم فى نظرى هو الإخلاص والتجرد التام لله تعالى فى كل أقواله وأفعاله واختياراته واجتهاداته وما يأخذ وما يذر، مهما كان ما يترتب على ذلك من آثار أو تضحيات -طالما أنه الحق- ولو كان ثمنه الشهادة فى سبيل الله تعالى أو على الأقل شن حملات التشهير والإساءة الممنهجة من لجان الجماعة الإرهابية دون أدنى التفاتة أو اهتمام منه.

يأتى بعد الإخلاص العلم الدقيق المبنى على أصول راسخة ومنهجية دقيقة ورؤية تجديدية تجمع بين الأصالة والمعاصرة والتراث والرؤية الدينية والوطنية، ثم العمل الدؤوب المستمر المؤسسى الذى لا يعرف الكلل ولا الملل، فهذه المفاتيح الثلاثة الإخلاص والعلم والعمل بتفاصيل وتفريعات كثيرة ودقيقة لا يتسع لها هذا المقال- هى فى نظرى التى شكلت الرؤية الشاملة التجديدية لمولانا الشيخ على جمعة، تلك الرؤية التى أنتجت العديد من المشروعات العلمية والاجتماعية والتربوية والدعوية وكلها ناجحة مؤثرة تأثيراً إيجابياً نافعاً، ولعل سر الحملات المعتادة على الشيخ هى إخلاصه لله تعالى ثم وفاؤه لوطنه، وحبه لشعبه، ورغبته الحثيثة فى إنشاء جيل سوى غير معقد، لا يفكر بناء على قواعد الفكر المتشدد، جيل يحترم المخالف، ولا يحمل فى قلبه عداوة لأحد من الناس، جيل يحترم المرأة ويعرف أن قيمة الأنوثة فى الكون أعظم وأكبر من أن ننظر لها نظرة دونية، جيل يبنى معارفه وقيمه على العلم والنقاش وتقبل الرأى الآخر، وهذه كلها مفردات ومصطلحات لا تعرف المنهجية المتطرفة ولا العقلية الجامدة لها سبيلاً، منطقى جداً من تيار يزدرى المرأة ويراها أداة متعة أن يرى أن كل علاقة بين رجل وامرأة لا بد أن تشوبها شائبة رجس أو دنس، منطقى جداً من عقلية ترى نفسها الناجى الوحيد فى المسلمين وغير المسلمين أن ترفض فكرة أن أحداً سوف يزاحمها جنات الخلود، بدهى جداً من فكر قام على بث الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد أن يرفض فكرة التعايش والتعددية، كل التحية والتقدير إلى صانع الأجيال الأستاذ الدكتور على جمعة، وهو ليس بحاجة إلى أن نقول لها لا تلتفت وسر على بركة الله، فهو الذى علمنا وغرس فينا قيمة العمل وعدم الالتفات.