اللواء د. محمد الغباري: «مصر بين نصرين»

كتب: محمد مجدى

اللواء د. محمد الغباري: «مصر بين نصرين»

اللواء د. محمد الغباري: «مصر بين نصرين»

أى دولة تحدث لها هزيمة، مثلما حدث فى مصر عام 1967؛ فإنها حينما تجابه تلك المشكلة وآثارها على كافة الأصعدة، تلجأ إلى وضع تخطيط استراتيجى، عبر تحديد إمكانيات الدولة فى كافة المجالات، وتحديد الأسلوب الأمثل لتحرير أراضيها، واستعادة ما خسرته من أراضٍ، فضلاً عن تحقيق مكاسب إقليمية عبر عودة هيبتها مرة أخرى، ومن هنا جاء القرار المصرى باستخدام كل إمكانات الدولة ومواردها لتحقق نصر بعد التخطيط له، وبعد زمن يشمل الإعداد والتجهيز، والحرب نفسها.

ومن ضمن قوى الدولة الشاملة التى استخدمتها مصر لتحرير أراضيها من دنس الاحتلال، كانت قوة «السياسة الخارجية»، والتى كانت مسئولة عن تجهيز المسرح السياسى فى الإعداد، عبر الترويج بالوسائل الدبلوماسية والإعلامية إلى أن مصر فى طريقها لبناء دولة حديثة، وستستغرق فترة طويلة فى هذا، ومن هنا لن يكون سوى مبادرات السلام، مثل المبادرة التى طرحها الرئيس جمال عبدالناصر للسلام، وقبول أى مبادرات أخرى للسلام، وهذا كله أتاح الوقت لإعداد القوات المسلحة للحرب.

التحركات الدبلوماسية واستخدام قوة «السياسة الخارجية»، تزامن مع تجهيز «القوة العسكرية»، عبر الإعداد الجيد لرجال القوات المسلحة، والتخطيط المتميز لحرب أكتوبر المجيدة، والتى تُسمى أيضاً «انتصارات العاشر من رمضان»، نسبة إلى يوم اندلاع الحرب بالتقويم الهجرى، وهو ما شهد له العالم كله؛ فسمّوها «المعجزة»، والحدث المتميز فى التاريخ، نظراً للتخطيط والتنفيذ المتميز لها؛ فالخبراء العسكريون الدوليون يتحدثون عن كيفية نقل 180 ألف مقاتل مصرى فى 6 ساعات على مواجهة 180 كيلومتراً، بكامل معداتهم، ليحققوا النصر، وهو إعجاز حقيقى، فضلاً عن مواجهة غيرها من التحديات. وأيضاً فى الأكاديميات العسكرية؛ فإنهم يسمون شيئاً آخر بـ«الإعجاز»، وهى أنها المرة الأولى التى تستخدم دولة خبرات الحرب العالمية الثانية لدولة، وتحقق ما يُعرف بـ«معركة الأسلحة المشتركة الحديثة»، وهى تخطيط وتقنية لم يستخدمها أحد وقتها ولم يحققها، لذا فإنها كانت بمثابة الإعجاز، إضافة لمعجزة اقتحام خط بارليف وعبور المانع المائى، رغم التحصينات الضخمة والكبيرة التى وضعتها إسرائيل فى هذا التوقيت.

ومن ثمَّ؛ فإن الدولة استخدمت الحل السياسى الدبلوماسى، لأخذ وقت لتجهيز قواتها المسلحة، فضلاً عن القبول بكل مبادرات السلام دون جدوى من الجانب الإسرائيلى؛ فآخر مشروع سلام قدمته مصر لإحلال السلام، وعودة الأراضى المصرية المحتلة كان فى شهر سبتمبر 1973، أى قبل الحرب بأيام، وهو ما تم رفضه، لتختار مصر استرداد أراضيها بالقوة، مع مواصلة المفاوضات لاسترداد باقى أراضيها.

القيادة الإسرائيلية السياسية وقتها كانت مجادلة، ومن هنا كانت المفاوضات لتحرير باقى الأرض «صعبة»، رغم الانتصار المصرى الكبير المتحقق لاسترداد أراضينا من دنس الاحتلال فى انتصارات العاشر من رمضان المجيدة، وكانت هناك مشاكل وتحديات كثيرة خلال المفاوضات، مثل وضع المستعمرات فى سيناء، والملحق الأمنى، إلى أن وصلنا إلى المشكلة الكبرى فى ملف «طابا».

ولولا أن الجهات المصرية المختصة لديها إيمان، وما يثبت من الوثائق والأوراق بأن طابا مصرية، لم تكن لتلجأ للتحكيم الدولى.

ورغم أن التحكيم الدولى أخذ وقتاً طويلاً وضخماً، نظراً لتجميع الوثائق، والمرافعات المقدمة من الجانبين المصرى والإسرائيلى، والتدقيق فى كل ورقة، فإن استرداد طابا كان هو «معركة السلام»؛ حيث إن الجانب المصرى أذهل الجانب الإسرائيلى فى تلك المعركة، حتى اقتنعت المحكمة تمام الاقتناع بأن «طابا» مصرية، وتقضى بذلك.

وبهذا نجحت مصر فى تحقيق «نصرين»، أولهما النصر بقوات عسكرية حررنا به جزءاً من الأرض، ونصر سياسى، حررنا به كامل الأرض بعد المفاوضات والجهود الدبلوماسية الشاقة حتى تحررت كامل أرض سيناء.

ومن هنا، نستطيع أن نقول إن المزج بين حرب أكتوبر المجيدة، ومفاوضات السلام، والتحكيم هو ما أرجع أرض شبه جزيرة سيناء دون نقص أى شبر منها؛ فالأرض لدى كل مواطن مصرى هى «عِرض» يدافع عنها بكل قواه.

وأخيراً.. كل عام ومصر فى نصر، وعزة، واستقرار، ورخاء، وسلام.

* أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة

ومدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق


مواضيع متعلقة