حال المرضى النفسيين في مصر: "أنا مش عيان.. بس ماليش أهل برة"

كتب: رانيا محمود

حال المرضى النفسيين في مصر: "أنا مش عيان.. بس ماليش أهل برة"

حال المرضى النفسيين في مصر: "أنا مش عيان.. بس ماليش أهل برة"

«الوطن» دخلت مستشفى الصحة النفسية لرصد هذه الظاهرة، وبعد الإجراءات الرسمية المعتادة، والتفتيش والتأكد من سبب الزيارة والتصريح بها من مدير المستشفى، وأمام عنبر 15، استمعنا إلى صوت قوى لـ«دى جى» و«ساوند سيستم» وصوت مرتفع لإحدى أغانى المهرجانات، كأننا دخلنا أحد الأفراح الشعبية، اقتربنا من الجمع الذى مثلت سيدات مستشفى الصحة النفسية أغلبه، حالة من البهجة بين النزيلات، عامل الـ«دى جى» يغيّر الأغنية بأخرى أكثر صخباً، تتمايل السيدات فى دلال، ويتراقصن على أنغام الموسيقى السريعة، يلتحمن ويبتعدن، تتوقف الموسيقى، فلا يتوقفن عن الرقص، تعود مرة أخرى أشد بهجة. حفل أقامته الشئون الاجتماعية بالمستشفى، للترفيه عن المرضى النفسيين لقسم «15» الذى يُعد من أكبر أقسام السيدات بالمستشفى. سيدات القسم تبدو على ملامحهن الطيبة والمودة، مع بعض التخوّف من الغرباء الذى لا يجعلهن مقبلات على التعامل مع أشخاص لا يعرفنهم، حاولنا الاقتراب منهن، شغلتهن بهجة الموسيقى، تعايشن مع وجودنا داخل المكان، السيدات فى عنبر 15 وغيره من عنابر المستشفى، حليقات الشعر، ملابسهن ليست أكثر من ملابس بيت بسيطة، جلابيب أو بيجامات منزلية، لكنهن ما زلن يشعرن بأنوثتهن، رغم خلع المستشفى عنهم أكثر تعبير عن مظاهر الأنوثة، بحرمانهن من شعورهن. انتهى الحفل، والتقينا بسيدة أربعينية، تبعناها إلى عنبر 15، كانت تجلس على سرير بسيط، ترتدى «جلباب بيتى» يمتزج فيه الأبيض بالبرتقالى، وتغطى رأسها بغطاء رأس من التريكو الأحمر، وعلى عكس النظرات المترقبة خارج العنبر، وأثناء الحفل استقبلتنا بضحكة بسيطة ووجه بشوش، تعرفنا على «ف. ح» بعينيها المليئة بالأسرار. سيدة تبلغ من العمر 41 سنة، ترفض الخروج من مستشفى العباسية، بعد قضاء أكثر من 15 عاماً بعيدة عن العالم الخارجى، وعن مبرراتها تقول: «أنا مش تعبانة ومش باشتكى من حاجة، أنا أصلاً تايهة من أهلى، وكنت عايشة مع ناس فى شبرا مصر، اتربيت عندهم وأنا عندى 8 سنين، ولما كبرت وبقيت شابة ابنهم اتجوزنى عرفى، وأمه لما عرفت إنى حامل طردتنى فى الشارع، وفضلت ماشية، فقابلنى واحد قال لى تعالى عند أمى فى شبرا الخيمة، رُحت وخلفت ابنى هناك، وبعدها بأيام ابن الست اللى عايشة معاها ضربنى، فهربت بابنى ونزلت الشارع، وفى نفس اليوم شافنى عسكرى وقبض عليا، وجابنى على مستشفى العباسية، وحطوا ابنى فى الملجأ». توقفت عن الكلام وفكرت لثوانٍ، ثم قالت: «أنا عايزة أخرج من المستشفى، بس مفيش حد يستلمنى، الدكتور عايز يخرّجنى، بس ماليش مكان بره، وماينفعش أقعد لوحدى، هنا المعاملة كويسة، والأكل تمام، واتعلمت الرسم والقراءة والكتابة وصناعة السجاد، بس لاقيتها متعبة وماقدرتش أكمل، وزميلاتى فى العنبر فيه منهم ناس كويسة وعاقلة، وفيه ناس تعبانة، عايزين يخرجوا، بس أهلهم بيرجعوهم تانى، وأنا نفسى أقعد فى المستشفى، وفى نفس الوقت نفسى أخرج بره وأشتغل وأبقى حرة نفسى، بس مشكلتى هعيش مع مين بره بعد ما اتعودت على العباسية».