يحيى الرخاوي لـ"الوطن": نحن فى «كى جى 2» سياسة

كتب: إمام أحمد

يحيى الرخاوي لـ"الوطن": نحن فى «كى جى 2» سياسة

يحيى الرخاوي لـ"الوطن": نحن فى «كى جى 2» سياسة

«لن تعلم أبدا مدى تأثير ما قد تفعله أو تقوله أو تفكر فيه اليوم، على حياة الملايين غدا»، عبارة يضعها فوق مكتبه ليراها الجالسون أمامه، وعلى لافتة كبيرة بالحائط المواجه له، كى لا تغيب عن عينيه. عن سر إعجابه بها، أجاب: «هذه حكمة عظيمة للحياة، قالها الشاعر الأمريكى بالمر، ولو التزم بها الناس لأصبحنا فى حالٍ أفضل». الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى، أوضح فى حواره لـ«الوطن»، أن المصريين «دفعوا الحساب» فى ثورتهم الممتدة بكل كرم وألم لتحقيق ما يليق بهم، ولا يتطلعون حالياً إلا لـ«وطن اسمه مصر»، مؤكداً أن مصر قادرة أن تلعب دورها فى إيقاظ ضمير العالم، كما لعبت دورها كفجر للضمير. ■ ما تحليلك للحالة والمرحلة التى يعيشها المجتمع حالياً بعد ثورتين؟ - اسمح لى أولاً بأن أتحفظ على استسهال استعمال تعبير ثورتين، وكأن الحكاية فعلاً بهذه البساطة، ما نحن فيه هو مشروع ثورة واحدة ممتدة، نأمل أن نواصل تشكيلها حتى تستحق أن تكون ثورة مكمِّلة لتاريخ هذا الشعب الذى دفع ويدفع حسابه بكل كرم وألم حتى يحقق ما يليق به، مشروع الثورة هذا حين يكتمل بإرساء معالم الدولة، واستعادة ترسيخ البنية الأساسية فى التعليم والاستقلال الاقتصادى والتميّز القومى، يصبح ثورة رائعة، وحينذاك سوف نتكلم عن ثورة واحدة تعثرت، ثم استقامت، ثم نمت، ثم اكتملت. ■ فى تصورك، ماذا يريد المصريون ويتطلعون إليه بصورة ملحّة حالياً؟ - المصريون يتطلعون الآن، كما كانوا يتطلعون دائماً، إلى أن يكون لهم وطن اسمه مصر، ينتمون إليه بفخر بما ينجزونه الآن لبلدهم، ولكل الناس عبر العالم، وكما كانت مصر هى «فجر الضمير»، كما ذكر هنرى بريستد فى كتابه المشهور، فإنها قادرة على أن تصبح «يقظة الضمير»، ليس ضمير المصريين فحسب، بل العالم كله. نحن - البشر- فى مرحلة تحدٍّ صريح يهدد كل إنجازات الإنسان وذلك نتيجة إغارة ما يسمى «العولمة» التى هى بمثابة دين عصرى مَيْكنى مشوِّه، ولمقاومة أنبياء هذا الدين، فإن العالم يحتاج إلى جهد كل محب لهذا النوع البشرى أن يسهم فيما أسميه «الوعى الجديد» فى مواجهة النظام العالمى الجديد، والمصرى الحقيقى يعرف كيف يشارك فى إبداع وتنمية هذا الوعى العالمى الجديد ليواجه به النظام العالمى المُغِير. هذا الوعى العالمى الذى أقصده، وهو الدور الذى تستطيع مصر أن تلعبه، لا يلغى الأوطان بأممية مشبوهة، لكنه ينتقل بالبشر من الصراع بين بعضهم بعضاً، أفراداً وأوطاناً إلى التكافل فيما بينهم لينقذوا الكائن البشرى من خطر الانقراض الذى يهدده، ولن يتم هذا الإنقاذ إلا بأن يعمل كل إنسان فى موقعه، وفى وطنه طول الوقت وهو يعرف أين يصب عائد عمله انطلاقاً من وطنه المستقل، وليس انطلاقاً من بنك محتكر خاص، ولا بوصاية صفوة مزعومة متوحشة، وإنما سيراً فى اتجاه تكريم الإنسان ليرقى إلى ما خلقه الله به وله «ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» بالعدل والإنتاج والرحمة والإبداع. ■ ربما شهدت مصر تجريفاً سياسياً وثقافياً على مدار عقود.. هل أثر ذلك بصورة كبيرة على الشخصية المصرية والدور الذى يمكن أن نؤديه؟ - حدث تجريف سياسى أساساً، أما فى الثقافة والفن فكان إلى درجة أقل، حدث تجريف سياسى وتهميش سياسى، وتزييف سياسى، ولكن لم يترتب على ذلك إجهاض مشوِّه لقلب الروح المصرى، ونبضه الحضارى الأصيل، فالأرجح عندى أن الشعب قاوم هذا التجريف بـ«كمون» يقابل البيات الشتوى عند بعض الأحياء، أو مغزى «كمون أهل الكهف»، وهذا الكمون بدا وكأنه استسلام واسترخاء وهو لم يكن كذلك تماماً نتيجة لأصالة هذا الشعب، لكنه كان استعداداً لإعادة ولادة، وبالتالى حين حان الحين سمعنا آلام وصيحات المخاض، وتمطى المارد وانطلق ليثبت أن التجريف لم ينل منه إلا نزع القشرة أو طمس المعالم دون توقف نبض القلب الحضارى لهذه الأمة. أما أثر ذلك على الشخصية المصرية، فهو لم يتضح بعد بشكل كامل، حيث إنه كشف فى البداية عن تلك الطاقة الحضارية المحتجّة القادرة، ثم كشف بعد ذلك عن قصر النفس وتكرار النص بشكل كاد ينحرف بمسار هذه الطاقة إلى ما لم تنطلق من أجله، ثم كشف بعد ذلك أكثر عن إفاقة واعية ومراجعة متألمة، ثم كشف أخيراً عن المحاولات المثابرة الجارية فى العمل على الحفاظ على الإيجابيات من كل ذلك، وفى نفس الوقت العمل على نفى السلبيات وعلاج ما تبقى منها عصياً على النفى.