هيا بنا إلى محكمة العدل الدولية

خديجة حمودة

خديجة حمودة

كاتب صحفي

هيا نُشكل جماعة للمتضرّرين من الحرب الإسرائيلية الفلسطينية ونرفع شكوانا إلى محكمة العدل الدولية، مطالبين بوقف تلك النيران والصواريخ والقذائف التى لا تفرّق بين عسكريين ومدنيين، وبين النساء والأطفال والرجال، وذلك الدمار الشامل الذى أصابنا بالجزع والخوف من الغد. سأكون أول من ينضم إلى تلك الجمعية، وقد أترأسها إذا توافق الأعضاء على ذلك، وعن قضيتى أعلن أن لدىّ حافظة أوراق سأُقدمها لهيئة المحكمة للفصل فى القضية، كما أن هناك «دفوعاً» بلغة القانونيين، تجعلنى صاحبة حق، ولا بد أن أطالب بها وأطالب بالتعويض أيضاً.

وبعيداً عن التقارير الطبية والأشعات والتوصيات ببروتوكول علاجى دوائى ونفسى وجلسات تخاطب وأخرى استماع لموسيقى واعتراف بأسباب الألم والتوتر، سأطلب الكلمة من هيئة المحكمة لأننى أصبت بأعراض غريبة جراء هذه الحرب وأخبارها وصورها واللقطات التى تُذاع على القنوات الإخبارية من يومياتها والإحصائيات التى تُعلن أعداد الشهداء والمصابين والأحياء التى تدمّرت تماماً والمستشفيات التى خرجت من الخدمة الطبية والمدارس التى تحولت إلى معسكرات إيواء وتم قصفها، وأعداد زملائى من مهنة المتاعب الذين استُشهدوا وتحطمت أقلامهم وكاميراتهم.

كل ما تحدثت عنه أصابنى (بهشاشة الروح)، هذا المرض الغريب الذى لم يُصِبنى من قبل، ولم أتعرّض لأعراضه إلا الآن، فقد غيّر اتجاه مقالاتى وكتاباتى وعناوينها تماماً بعد أن أصاب قلبى بألم لم أعتده من قبل، ودفع دموعاً لعيونى ظننت أنها لا تُذرف إلا على الأهل والأحباب المقرّبين وأفقدنى القدرة على تناول الكثير من أنواع الطعام، خاصة تلك التى لا يجدها أطفال وأمهات غزة ونابلس ورفح وخان يونس وغيرها من المدن الفلسطينية، وتركت كل ما كنت أتابعه من برامج تليفزيونية ومسلسلات رومانسية وأفلام صورت باللونين الأبيض والأسود فقط وقنوات فضائية وندوات ثقافية إلى القنوات الإخبارية فقط.

وجعلتنى هشاشة الروح أفقد تواريخ المناسبات السعيدة والأعياد التى كنت أنتظرها وأعد لها الثياب والطعام وأستقبل الأصدقاء وأجهز المنزل بكل جديد وجميل وأنيق. هشاشة الروح تؤلمنى وفقدت تذوق معانى الكلمات السعيدة التى كتبها الشعراء ولحنها ووزّعها كبار الموسيقيين، فلم يعد صوت أم كلثوم يطربنى، ولا الألم فى صوت عبدالحليم حافظ يشجينى، ولا يزداد شوقى للأحبة على كلمات نزار قبانى وحتى غزل كاظم الساهر وتدليله للحبيبة فقد عندى كل معانيه التى كانت سابقاً تُنعش قلبى وتتسلل إلى حواسى، فأشعر أنها كُتبت من أجلى وحدى وأننى الحبيبة التى يتحدّث إليها ويناديها ويصف لون عينيها وثوبها.

ولأننى أبحث عن حقوقى التى ضاعت مع ذلك النزاع فقد بحثت وقرأت، فعرفت أن محكمة العدل الدولية هى الجهاز الرئيسى للأمم المتحدة، وهى التى تتولى الفصل فى النزاعات القانونية التى تنشأ بين الدول، طبقاً لأحكام القانون الدولى، كما تقدّم آراءً استشارية بشأن المسائل القانونية التى تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة.

وفى لائحة المحكمة التى اعتمدت فى ١٤ أبريل عام ١٩٧٨ ودخلت حيز التنفيذ فى يوليو ١٩٧٨ نص يؤكد أنه لأغراض قضية معينة يمكن أن تضم المحكمة شخصاً أو عدة أشخاص يختارون وفقاً للمادة ٣١ من النظام الأساسى للجلوس بوصفهم قضاة خاصين، وفى أحكام هذه اللائحة يُقصد بتعبير عضو المحكمة أى قاضٍ منتخب أو أى قاضٍ خاص.

وعادة لا يمتلك الأفراد شخصية قانونية دولية معترفاً بها بموجب القانون الدولى، ويمكن أن يمارسوا حقوقهم أمام المحاكم الوطنية التى تقرر العقوبات الملائمة والتعويض عن الإجحاف الذى وقع. ومما لا شك فيه أن فكرة تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الدولى الإنسانى هى فكرة حديثة فى القانون الدولى، وهى جزء من حق الحصول على تعويضات قضائية معترف بها فى القانون الدولى، إلا أن الأمر يرجع إلى المحاكم الوطنية لتقديم تعويضات قضائية وتعويضات نقدية، وعلى المستوى الدولى لا يوجد سوى عدد ضئيل نسبياً من إجراءات التعويضات القضائية المتاحة للأفراد، والتى توفر آليات للتعويضات الفردية. إلا أن هذه الشكاوى لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت الدولة المعنية قد تواءمت تشريعاتها مع الالتزام الدولى، أو إذا وُجد المجرم المعنى على أرض هذه الدولة. فهل ستنجح هذه الفكرة وتُقبل دعواى أم أنّ علىّ أن أبحث عن طبيب يداوى هشاشة الروح