د. وليد جاب الله يكتب: صناعة النمو

د. وليد جاب الله يكتب: صناعة النمو
- الموازنة العامة
- التشريعات الاقتصادية
- الإيرادات الضريبية
- التنمية المستدامة
- الموازنة العامة
- التشريعات الاقتصادية
- الإيرادات الضريبية
- التنمية المستدامة
الموازنة العامة هي بيان يوضح التقديرات المستقبلية لموارد الدولة، والمصروفات اللازمة لها خلال عام قادم، وفى مصر يتم البدء فى إعداد الموازنة للعام المالى القادم اعتباراً من بداية يناير ثم يتم إحالتها لمجلس النواب قبل نهاية مارس حتى يتسنى له مناقشتها وإقرارها قبل بداية العام المالى فى بداية يوليو من كل عام.
وفى موازنة العام المالى الجارى 2023-2024 كان التوجه هو التوسع المنضبط، من خلال ترشيد النفقات الاستهلاكية، مع زيادة فى الإنفاق الاجتماعى والاستثمارى، وقد انتهى الأمر لأن يُمثل الإنفاق فى وزارة المالية مساراً توسعياً، بينما اتجه البنك المركزى فى مسار تشديد نقدى من خلال إجراءات أهمها هو رفع أسعار الفائدة، وإذا كانت تلك المُعادلة تناسبت مع ظروف إعداد الموازنة الحالية، فإن الحكومة بدأت فبراير من العام المالى الجارى بقرار بخفض الإنفاق الاستثمارى للحكومة بنسبة 15%، وتأجيل المشروعات حديثة الإدراج بالخطة، وحظر إبرام تعاقدات على تلك المشروعات، وهو الأمر الذى يُعبر عن تغير مسار المالية العامة المصرية لتسلك مساراً أقل توسعاً يتوافق مع مسار سياسات البنك المركزى التشددية.
ومع بدء الإعداد لموازنة العام المالى القادم 2024-2025 ومن خلال التصريحات الحكومية يمكن لنا رصد أن وزارة المالية ستستمر فى خفض الإنفاق الاستثمارى، والدفع بالقطاع الخاص للقيام بدور أكبر فى صناعة النمو من خلال حزمة من الإصلاحات الهيكلية التى تُساعد على تمكين القطاع الخاص لزيادة حجم نشاطه الاقتصادى، بما فى ذلك تسريع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات والذى يمكن من خلاله تحقيق دعم تمكين القطاع الخاص، وزيادة إيرادات الموازنة، وجذب المزيد من التدفقات الاستثمارية من الخارج، وكذا استمرار تطوير سوق الأوراق المالية الحكومية.
ولكن اتجاه الموازنة القادمة نحو ترشيد الإنفاق لن يؤثر على مسار الإنفاق الاجتماعى حيث ستستمر برامج تحسين أجور العاملين بالدولة، وأصحاب المعاشات لتعزيز القيمة الحقيقية لدخولهم تنفيذاً لتوجيهات الرئيس بالتخفيف عن المواطنين ومُساندتهم فى تحمل أعباء التضخم، كما سيستمر الإنفاق فى مشروعات حياة كريمة والتى تُعد بمثابة إنفاق اجتماعى أكثر من كونه إنفاقاً استثمارياً، فضلاً عن زيادة مُخصصات الصحة والتعليم بالموازنة.
وفى مجال الإيرادات، فإن هناك مجالاً لزيادة الإيرادات الضريبية ارتباطاً ببرامج توسيع القاعدة الضريبية وتعظيم جهود دمج الأنشطة غير الرسمية للاقتصاد الرسمى، فضلاً عن الزيادة الضريبية المُتوقعة عن مكاسب أصحاب الأنشطة كنسبة من أرباحهم التى ارتفعت مع ارتفاع الأسعار.
وموازنة العام القادم 2024-2025 يتم إعدادها بطموح تحقيق أكبر فائض أولى فى مسار يستهدف الوصول بالفائض الأولى لنحو 2٫5% من الناتج المحلى فى المدى المتوسط، بما يضمن اتجاه الدين العام إلى مسار تنازلى مدعوم بتحقيق أكبر فائض أولى مُمكن، والتوسع فى برامج مُبادلة الديون باستثمارات، والاتجاه نحو أدوات الدين الأقل تكلفة كالصكوك والسندات الخضراء، وسندات التنمية المستدامة. وإجمالاً فإن التوجهات المبدئية للموازنة تبدو منطقية وتتناسب مع طبيعة الظرف الاقتصادى، كما أن توافق السياسات المالية بالموازنة مع السياسات النقدية للبنك المركزى يُساعد على ضبط المالية العامة وتحقيق المُستهدفات الاقتصادية، كما أن ذلك المسار هو المسار الأمثل للتعامل مع الواقع الداخلى والتوافق مع مبادئ وتوجهات المؤسسات الدولية التى تتعاون معها مصر. والتحدى هنا يتمثل فى أمور أهمها القدرة على تحقيق أكبر نسبة من زيادة الإيرادات الضريبية دون فرض ضرائب جديدة ومن خلال تطبيق لمبادئ العدالة الضريبية، وكذا القدرة على فهم طبيعة المستثمرين المصريين والتواصل معهم من أجل تقديم المحفزات القادرة على دفعهم نحو توسيع نشاطهم، وفتح الأفق أمامهم ليكونوا قادرين على جذب استثمارات أجنبية لتشاركهم توسعاتهم المستقبلية. أما ضمانة النجاح فإنها تتمثل فى التطبيق المرن للموازنة وإدارتها بصورة تستجيب للمتغيرات الاقتصادية فى الداخل والخارج، بل وتستبق المتغيرات لتدفع النشاط الاقتصادى نحو المسار الإنمائى.
* خبير التشريعات الاقتصادية