ماذا تريد إسرائيل؟

فكرت أن أطرح سؤال «العنوان»، الذى هو أيضاً سؤال الساعة، على صديقى العزيز «جوجل»، لكنه فاجأنى بكثرة من سأله قبلى «ماذا تريد إسرائيل؟»، سواء بعد «طوفان الأقصى» أو قبله، من كتاب وصحفيين وباحثين، لا شك فى أن السؤال - جدلياً وأزلياً - شغلنا فى سائر البلاد العربية، واجتهد كثيرون فى طرح إجابات لكنها كانت مثل إسرائيل، دولة بلا حدود واضحة وبلا ضمير أو أخلاق، لينتقل السؤال من جيل إلى جيل، وكأنه المستحيل، تركة ثقيلة تترجى من يتحملها.

السؤال حقاً صعب، ولن تجد له إجابة واضحة أو مقنعة فى كل تصريحات قادة إسرائيل، سواء فى حكومة الطوارئ الحالية (كابينيت الحرب) أو خارجها، وسواء فى الحاليين من نجوم المشهد السياسى الصهيونى أو من سبقوهم، هناك محاولات صدرت عن مراكز بحثية وبيوت فكر غربية وعربية، لكن لن تلمح ما يشبعك ويحل لك لغز ما تفعله الدولة المارقة منذ أن اكتسبت شرعيتها الأممية عام 1948، وحتى صفعتها محكمة العدل الدولية قبل أيام باستجابتها لطلب دولة جنوب أفريقيا بشأن التحقيق فيما وصفته بأنه جرائم حرب ارتكبتها «دولة الاحتلال» فى حق سكان قطاع غزة.

بين التاريخين أشقتنا إسرائيل وأضاعت من عمر المنطقة قرابة قرن من الفرص المهدرة.. والثروات المهدرة.. ومئات الآلاف من الشهداء، وبقى السؤال معلقاً، تدخل حرب غزة شهرها الخامس، ولا يزال السؤال معلقاً، ماذا تريد إسرائيل بعد كل هذا الدمار؟، ومتى ستقف عجلة حربها الجهنمية؟، التى طال أمدها، بأكثر مما توقع الجميع، وبأكثر مما يُحتمل، حتى الشريك الأمريكى بدأ يتذمر ويتراجع تأثيره، وهو ما بدا واضحاً من جولة وزير الخارجية الأمريكى للمنطقة خلال الأسبوع الماضى، التى كانت جولة فارغة من النتائج، خاصة بعد أن تبعها نتنياهو بإعلان رفض إسرائيل صفقة الهدنة، التى شغلت الرأى العام العالمى خلال الأسبوعين الأخيرين والتى تحركت من أجلها دول عدة للوساطة، وتذليل العقبات بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى.

والرفض يعنى استمرار القتال إلى أجل غير مسمى، توقعه نتنياهو بـ«شهور»، تستمر فيها الجرائم الإسرائيلية وتتزايد الخسائر العربية، نعم العربية، ففد اتسعت رقعة المواجهة، ومع استمرار التعنت الإسرائيلى ستتسع العمليات أكثر، وما يجرى فى العديد من البؤر المشتعلة فى «الشرق الأوسط»، ينذر بتصاعد المواجهة بين أمريكا وحلفاء إيران فى المنطقة، فيما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى عن نيته القيام بعملية عسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية، الملاذ الأخير الذى يحتمى به أكثر من مليون فلسطينى، والذين لن يجدوا مهرباً تحت النيران إلا اقتحام الحدود المصرية، ولا يعلم أحد ما يمكن حدوثه بعد ذلك، فكلها سيناريوهات كارثية، لا تقل فى قسوتها عن استمرار القتال من أجل «أحلام نتنياهو» بإبادة الشعب الفلسطينى، وبقائه فى السلطة.

واستكمالاً للدهشة، تدفقت الأخبار عن عرض إسرائيلى جديد لوقف القتال، مقابل خروج آمن من القطاع لقادة حماس وفى مقدمتهم يحيى السنوار رئيس المكتب السياسى للحركة فى غزة، والإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين لدى حماس والفصائل الفلسطينية، فى سيناريو مشابه لخروج ياسر عرفات وقادة المقاومة الفلسطينية من لبنان فى أغسطس سنة 1982.

وهى مسألة لا تقل فى غرابتها عن تسريب «رد حماس» على اتفاق الأطراف الذى جرى إعداده فى باريس، قبل أن تنتقل جولات التفاوض إلى القاهرة، وقد انفردت بنشره جريدة «الأخبار اللبنانية»، وتناقلته عنها جميع وسائل الإعلام، فيما سبقتها مجلة «المجلة» السعودية بأيام ونشرت مسودة الاتفاق، الذى قدمه رئيس تحرير المجلة إبراهيم حميدى موضحاً: «تكثف دول كبرى وإقليمية، جهودها لتحويل مجموعة من الأفكار إلى خطة عمل بمراحل محددة وتفصيلية ومتداخلة، تبدأ بهدنة فى غزة لمدة 45 يوماً، وتنتهى باتفاق إقليمى - دولى كبير قبل يونيو المقبل، هذه الأفكار تقوم على 3 مراحل: هدنة فى غزة، ومسار سياسى يخص الإسرائيليين والفلسطينيين، ثم اتفاق إقليمى - دولى. ونقطة البداية لهذه التحركات، هى الهدنة فى غزة بناءً على مسودة الاتفاق الذى أعده مسئولون أمريكيون وقطريون ومصريون وإسرائيليون فى باريس».

فيما اقترحت حركة حماس، فى ردها على «مقترح باريس» للتهدئة فى غزة، خطة لوقف إطلاق النار من شأنها تهدئة القصف الذى يتعرض له قطاع غزة منذ أكثر من أربعة أشهر، وتتضمن الإفراج عن جميع المحتجزين وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة والتوصل لاتفاق لإنهاء الحرب. وهو ما اعتبرته إسرائيل «صعب للغاية»، حيث أكدت هيئة «البث الإسرائيلية» موضحة: «إن حماس تطلب أثماناً كبيرة خاصة فيما يتعلق بمن سيتم إطلاق سراحهم من الفلسطينيين وتريد تحرير 1500 أسير من بينهم 500 من ذوى الأحكام العالية والقيادات فى الفصائل الفلسطينية».

والمقارنة بين «المسودة» و«رد حماس» تؤكد لنا أن الأفكار وحدها لا تكفى لتمنحنا حق الحياة، فلا جديد غير استهلاك الوقت انتظاراً لـ«يوم تالٍ» ما زالت ملامحه خيالاً شارداً فى عقول جميع الأطراف.