المستشار و«الكيان» في معرض الكتاب

يقترب معرض القاهرة الدولى للكتاب فى نسخته الـ55 من تحقيق رقم قياسى من حيث عدد زواره، ملايين من عشاق القراءة والكتب والمهتمين بالثقافة والمعرفة، من كل الفئات والأعمار ومن كل دول العالم، فى مشهد بديع يجدد الثقة فى أصالة جين الحضارة ورسوخه فى مصر، البلد المثقف شعبه المنتمى لتراثه وجذوره.

ويعكس الإقبال الكبير عبقرية «الأسرة المصرية» بقدرتها المدهشة على ادخار ما تيسر من جنيهات لتقتنى الكتب فى لحظة عصية على تدبير أساسيات الحياة، يصارع فيها الجميع من أجل حياة كريمة.

ويحتل «الكتاب» مكانة بارزة عند المصريين، لهذا تحرص الدولة، من خلال وزارة الثقافة وهيئاتها المختلفة، على توفيره بأسعار مناسبة، وهو ما عبّرت عنه حالة الزحام الرهيبة داخل أجنحة «هيئة الكتاب»، التى تؤكد أن الكتاب ما زال متاحاً للجميع رغم الارتفاع الجنونى فى أسعار كل مستلزمات إنتاجه، ولكن الدولة المصرية على العهد باقية، ومستمرة فى دعمها للثقافة. وهو جهد مشكور، خاصة مع أجواء الأزمة الاقتصادية المحلية والعالمية التى تسيطر على المناخ العام، وتكبل قرارات أغلب الدول وتقلص ميزانياتها.

ويتميز المعرض، كعادته، ببرنامج ثقافى وفنى حافل، ستختلف الآراء فى تقييمه وتأثير ما يناقش خلال فعالياته، مقارنة بدورات سابقة كان فيها المشهد الحوارى أكثر زخماً وتنوعاً بما تضمّنه من أسماء بارزة لضيوف الندوات، وجرأة فى عناوين الموضوعات المطروحة، وهى ملاحظة عابرة لمستها عند مطالعتى الأولى للبرنامج الثقافى لهذه الدورة التى جاءت تحت شعار «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة»، وهذا لا ينتقص من جهد صُناع هذا الحدث الثقافى الاستثنائى. وتقديرى لهم، وفى مقدمتهم الدكتور أحمد بهى الدين، رئيس الهيئة المصرية للكتاب، ورئيس الدورة الحالية للمعرض. وحضور المعرض وتكرار زيارته والتبضع بما طاب من خيراته هو خير استهلال للنشاط الفكرى مطلع كل عام، أحرص عليه بشغف لا يتناقص، وهو يتزامن فى الأغلب مع صدور كتاب جديد، أو طبعة جديدة من كتبى القديمة، واخترت فى 2024 أن يكون كتابى الجديد «أول قبلة فرنسية.. قواعد القراءة السعيدة» عن الكتب وعالم القراءة، وحملت مقدمته تقديراً خاصاً لمعرض القاهرة للكتاب، بما له من تأثير كبير فى تكوين وعى أجيال من الشعب المصرى، وتأهيلهم ثقافياً ومعرفياً منذ تأسيسه فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر عام 1969، ليتوج به تقديراً رئاسياً للثقافة وحق الشعب فى المعرفة.

ولا يفوتنى، بالطبع، حضور جانب من بعض الندوات، وكان من بينها ندوتان شاركت فى تنظيمهما «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين» وأدارهما صديقان من أنبل كوادر «الكيان»، ففى الأولى التى جاء عنوانها «الحوار الوطنى المستمر»، أدار الإعلامى أحمد عبدالصمد ببراعة حواراً راقياً مع المستشار محمود فوزى رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطنى، أما الندوة الثانية فكان عنوانها «توثيق جرائم الحرب» والتى أدارها بإتقان زميلى فى «التيار الإصلاحى الحر»، الدكتور مصطفى كريم القيادى بحزب «الإصلاح والنهضة»، وشارك فيها من نجوم المشهد السياسى والإعلامى، السفيرة مشيرة خطاب، والدكتور محمود مسلم، والإعلامى أحمد الطاهرى، والنائب محمود بدر، والمستشار الإعلامى بالسفارة الفلسطينية ناجى الناجى. وكلا الندوتين شهدتا حضوراً مكثفاً من الجمهور، يتقدمهم أعضاء «التنسيقية» ولفيف من القيادات السياسية والحزبية.

ولا شك فى نجاح الندوتين رغم تحفظى على أخطاء تنظيمية تقليدية، أبرزها عدم الالتزام بموعد بدء الندوات، والذى تجاوز التأخير فيه 40 دقيقة قبل انطلاق الندوة الأولى، وهو أمر لاحظته فى العديد من ندوات المعرض وخارجه أيضاً، وكنت أتمنى أن تفلح «التنسيقية» فى كسر هذه العادة بمشاركتها المتميزة فى التنظيم، كما كنت أتوقع عمقاً أكثر وثراء وتنوعاً فى المناقشات يواكب طموحى الدائم فى قدرات هذا «الكيان» الشبابى الوطنى المتناغم الذى حقق طفرة حقيقية فى المشهد السياسى المصرى، وهو ما همست به للنائب العزيز الدكتور نادر مصطفى، وكيل لجنة الثقافة بمجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب، مؤكداً له أن «عشمنا كبير» فى استمرار حرص «التنسيقية» على التفرد فى كل فعالياتها السياسية وأنشطتها الثقافية أيضاً.

وختاماً، لا يحتاج المستشار القدير محمود فوزى وصفاً أو تعريفاً، فقد أصبح رمزاً مصرياً وطنياً يستحق كل الاحترام، فهو نموذج للمصداقية والإجادة والإتقان، رجل سياسة من طراز فريد يستند على خلفية قانونية متينة تسبقها ثقة رئاسية يستحقها، خاصة بعد نجاحه وتألقه الدائم فى كل مهمة تُسند إليه. وقد بعثت كلماته، خلال ندوة المعرض، برسائل مطمئنة يغلفها الثقة والتفاؤل فى استمرار الاصطفاف الوطنى خلف القيادة السياسية لعبور الأزمة الاقتصادية واستمرار المسيرة الإصلاحية على كافة مساراتها وفق مخرجات النسخة الأولى من «الحوار الوطنى».

والمستشار فوزى قيمة وقامة يعول عليها استمرار نجاح أهم حدث سياسى شهدته مصر خلال العامين الأخيرين، والذى نترقب انطلاق نسخته الثانية، والتى سينصب تركيزها على الجانب الاقتصادى وفق التوجيه الرئاسى وضرورات المرحلة، ونأمل بإذن الله أن يتواصل نجاح هذه المنصة الحوارية الفاعلة فى المشهد السياسى المصرى.