محمود فوزي السيد يكتب: الذكاء الاصطناعي.. لعنة الإبداع

أن تتحول إلى صورة افتراضية تتحرك على شاشة فى عالم افتراضى بلا أى إحساس هو أمر لا يمكن وصفه بالإبداع؛ فالمبدع هو مبتكر لشىء من العدم، وبالتحديد فى عالم الفن بشقيه، التمثيل والغناء؛ أما فكرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعى فى صناعة أغنية أو فيلم أو فيديو كليب، فليس من الإبداع فى شىء.

خرجت علينا مؤخراً عدة تجارب لفيديو كليب مصنوع بالذكاء الاصطناعى، مثل «حبيت المقابلة» لمحمد حماقى و«أمور بسيطة» لهشام جمال؛ وهى تجارب المقصود منها مجاراة التطور التكنولوجى، وهو ليس بالأمر السيئ، لكنها بالتأكيد لن تحل أبداً محل الإبداع الإنسانى وإن أعجبتكم؛ فهى بالتأكيد تحمل فى صورتها عوالم خرافية من ناحية الألوان والديكورات الافتراضية؛ لكنها لا تحمل فى مشاهدها أى حبكة درامية تُغنى عن الحبكة الإنسانية؛ حتى إن ظهرت بكامل أناقتها من عوامل الإبهار.

فى رأيى يُعد الذكاء الاصطناعى هو اللعنة الحقيقية فى مواجهة الإبداع فى عصرنا الحديث؛ هو التحدى الجديد للفنان خلال الفترة القادمة؛ فهو ليس التطور فى عالم الموسيقى وأشكالها الذى يجب أن يكون الفنان على دراية كاملة به وبمستجداته؛ أو التطور فى صناعة المحتوى المرئى الذى يجب أن نتماشى ونتّسق معه بقدر تطوره حول العالم؛ فمع سهولة التعامل معه وقدراته الفائقة على تنفيذ الأوامر بسرعة ودقة قد يلجأ إليه الكثيرون لتنفيذ أعمالهم بطريقة تؤثر بالسلب على مستقبل المبدعين؛ لكنها لن تنفى أبداً وجودهم، وإن حاول البعض الاستغناء عن العنصر البشرى فى تنفيذ أعماله؛ فلا يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعى بديلاً يوماً للإنسان من ناحية الإبداع حتى لو تدخل أو سيطر على مجالات أخرى فى المستقبل؛ إلا أن العامل الإنسانى سيبقى دائماً هو صاحب الكلمة العليا فى صناعة الفن والموسيقى بالتحديد؛ لأن الأعمال المصنوعة بالذكاء الاصطناعى لا تملك أياً من عوامل الإبداع البشرية؛ فلن يملك يوماً القدرة على كتابة قصيدة شعرية أو كلمات أغنية، حتى لو حاول البعض تنفيذ ذلك بإدخال آلاف المفردات إليه؛ حيث تبقى روح الشاعر ومفرداته الخاصة فى كتابة أغنياته هى القدرة التى يفتقدها الذكاء الاصطناعى؛ وحتى فى حالات التلحين والتوزيع الموسيقى، الذى يُعد الأسهل فى عملية صناعة الأغنية بالنسبة للذكاء الاصطناعى فى حال إدخال عدة أشكال موسيقية مختلفة لذاكرته؛ لكن روح الملحن والمقامات الموسيقية المختلفة التى يعمل من خلالها هى الأمور التى لا يمكن وجودها فى الذكاء الاصطناعى.. وكذا هل يملك القدرة على كتابة سيناريو عمل سينمائى؟ بالتأكيد لا يملك تلك القدرة؛ وبالتالى لا يمكن الاستغناء به عن المؤلف أو مخرج العمل؛ وهنا يظهر التحدى الحقيقى أمام تلك الموضة التكنولوجية الحديثة، وهو التحدى الذى يُرجّح بكل تأكيد فكرة أن الاعتماد على البشر فى صناعة الفن هو أمر حتمى لا بديل عنه.

الأهم من ذلك هو التأكيد على عدم انسياق «بعض» المبدعين خلف تلك الموضة الجديدة؛ مثلما فعل الملحن عمرو مصطفى منذ فترة قريبة عندما فاجأ الجميع بقراره غير المبرّر باستخدام صوت السيدة أم كلثوم؛ عندما أعلن عن استخدامه تقنية الذكاء الاصطناعى لجعل أم كلثوم تغنى من ألحانه؛ لكنه ما لبث أن تراجع بعد هجوم كبير من النّقاد والجمهور على حدٍّ سواء على جميع مواقع التواصل الاجتماعى، محذرين إياه من العبث بثوابت الفن المصرى؛ فقرر وقف تنفيذ الفكرة، خوفاً من رد الفعل السلبى للجمهور.. وهو ما يُعد من كوارث استخدام الذكاء الاصطناعى فى غير محله؛ وهو الأمر الذى حذّر منه عدد كبير من المطربين، بسبب ظهور هوجة مؤخراً من تركيب أصوات مطربين على أغنيات غيرهم، وهو ما يتنافى مع حق ملكية المطرب لصوته؛ وهو الأمر الذى ربما أنذر بكارثة كبيرة تلاشت مع مرور الوقت؛ فمن غير الطبيعى أن تجد مثلاً صوتاً لمطرب كبير يتم تركيبه على أغنية «مهرجانات»، باستخدام الذكاء الاصطناعى.

الخلاصة أنه حتى الذكاء الاصطناعى بكل ما يملكه من إمكانيات لا يمكن أن يصنع لمستخدميه «من الفنانين» تاريخاً فنياً، حتى إن حقّق وجوداً لبعض الوقت؛ فبالتأكيد الكليب المصنوع بالذكاء الاصطناعى لن تزيد مدة صلاحيته على شهر واحد، ولن تبقى سوى الأغنية الجيدة المصنوعة من لحم ودم شاعر وملحن وموزع موسيقى؛ أما الصورة فلن تُبهر مشاهديها إلا لدقائق معدودة، وتتلاشى من الذاكرة بعد المشاهدة مباشرة؛ على عكس العمل الفنى المصنوع بحبكة درامية أشرف على وضع فكرتها وتصويرها وإخراجها للمشاهد مبدعون ابتكروها من العدم.