قرار «العدل الدولية».. بين الإدانة و«الإنقاذ» للعدو الإسرائيلي
فى بداية الصراع فى فلسطين، وفى العام الأول لإعلان الكيان الصهيونى، صدر القرار رقم 57 بتاريخ 18 سبتمبر 1948، الذى أعرب فيه مجلس الأمن وقتها -وفق نص القرار حرفياً- عن الصدمة العنيفة لاغتيال وسيط الأمم المتحدة فى فلسطين الكونت فولك برنادوت نتيجة عمل جبان اقترفته جماعة مجرمة من الإرهابيين فى القدس.
وفى العام نفسه دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى قرارها رقم 194، إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم.. الولايات المتحدة صوتت لصالح القرار!!
منذ التاريخين صدرت عشرات القرارات من الهيئتين.. مجلس الأمن الذى هو بمثابة حكومة العالم، والجمعية العامة التى تُعتبر برلمان العالم، ولم ينفذ العدو الإسرائيلى واحداً منها!
واليوم، وفى شكوى من 84 صفحة قُدمت إلى محكمة العدل الدولية فى لاهاى، حثت جنوب أفريقيا قضاة المحكمة على إصدار أمر عاجل لإسرائيل بـ«تعليق فورى لعملياتها العسكرية» فى قطاع غزة.. واعتباره إجراءات أو تدابير مؤقتة، والأخيرة تعنى ما يصدر من قرارات أثناء نظر الصراعات المعروضة على المحكمة لمنع تفاقمها، وبالتالى ليس الحكم النهائى الذى سيفصل فى الطلب الأساسى للدعوى المقدمة عن «إبادة جماعية» تتم منذ عشرات السنين!
حيث تنص المادة 41 من النظام الأساسى للمحكمة على أن «للمحكمة الحق فى اتخاذ ما تراه ضرورياً من تدابير مؤقتة لحماية الحقوق ومنع تفاقم الأضرار بشكل لا رجعة فيه»، وهو ما ينطبق تماماً على حالة غزة.
كما أن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 تنص فى المادة الأولى منها على أن «الأطراف المتعاقدة تؤكد أن الإبادة جريمة بمقتضى القانون الدولى وتتعهد بمنع ارتكابها والمعاقبة عليها كما حددت المادة الثانية من الاتفاقية أفعال الإبادة الجماعية بأنها الأفعال المرتكبة بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية»، وهذا هو عينه الذى يحدث فى غزة، وبالتالى تنطبق عليه جرائم إسرائيل بحق الأشقاء الفلسطينيين!
ومع المطلب بتعليق «إسرائيل» لعملياتها العسكرية فوراً فى غزة طبقاً للفريق القانونى لجنوب أفريقيا، إلا أنها اتهمت إسرائيل أيضاً بأنها انتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية وأن أفعال إسرائيل تشير إلى نية ارتكاب أعمال إبادة ضد الفلسطينيين، ومن هنا حجية طلب صدور للقرار المذكور!
السؤال:
هل ستلتزم دولة العدو بقرارات المحكمة؟! التى هى نافذة ونهائية ولا تقبل الطعن؟! أم ستتعامل معها كما تعاملت مع قرارات الأمم المتحدة المشار إليها؟!
قرارات مجلس الأمن نافذة أيضاً ولها الحجة الدولية ولها إلزامية تنفيذها أدبياً ما دامت لم تصدر وفقاً للفصل السابع الذى يجبر أعضاء الأسرة الدولية على تنفيذ قراراته حتى ولو بالقوة.. لكن ورغم ذلك لم ينفذ الكيان الصهيونى قراراً واحداً!! وسوابق رفض قرارات «العدل الدولية» موجودة فى بعض الدول التى ارتكبت قياداتها أفعالاً أقل بكثير من جرائم العدو الإسرائيلى، لكن ما يعنينا وجود سوابق عند «العدل الدولية» وعند الكيان المجرم!
لكن رفض القرارات المتوقعة إذا صدرت ضد العدو يضع العالم ونظامه ومؤسساته فى مأزق وسيضرب الشرعية الدولية فى الصميم.. وهنا قد يبدو الحل.. الذى هو مخرج للجميع.. تبدو فيه دولة العدو ملتزمة بقرارات أكبر محكمة بالعالم.. وتعفى حلفاءها وداعميها من الحرج.. هذا الحرج الذى أجبرهم على قبول قرار مجلس الأمن المتعلق بالمساعدات وضرورة دخولها إلى غزة دون عوائق بعد أن تضررت سمعتهم فى كل مكان بالعالم وأمام أصدقائهم الآخرين غير الموافقين على جرائم العدو، وكذلك الرأى العام الدولى!
ولكن الأهم أن يشكل القرار طوق نجاة للعدو لوقف عدوانه، وبالتالى وقف خسائره الكبيرة التى لم يتوقعها، والتى بلغت حد قتل جنوده بالعشرات كما حدث فى البيت المفخخ قبل أيام وراح ضحيته 23 من جنوده، فضلاً عن خسائر مشابهة فى كل مكان، بما فيها شمال غزة الذى لم يسقط حتى الآن! رغم القصف الجنونى الذى طاله، وبما فيها الأسلحة المحرمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض! فما بالنا بغزة كلها؟!
ومع الخسائر البشرية التى لا يعلن العدو عنها كلها فى ظل حرب المعنويات التى يجيدها ومعها جرحاه ومرضاه النفسانيون المصابون من حدة المعارك، فضلاً عن المعدات وخسائر الاقتصاد التى تتزايد كل يوم وتضع سكان الأرض المحتلة ممن يحملون جنسية العدو فى معاناة شديدة -نتمنى استمرارها- ورغم ذلك لم يحقق هدفاً واحداً مما وعدهم به.. فلا حرَّر أسراه ولا قضى على المقاومة ولا احتل القطاع!
ومع موقف كهذا قد يكون التحجج بقبول قرار المحكمة حلاً يعيد بعض -بعض- الاحترام المفقود لهذا الكيان ومخرجاً من المأزق الكبير!
هل سيكون ذلك؟! اليوم -قد- نعرف!