الإبادة الجماعية.. صفحة سوداء فى تاريخ الخلافة العثمانية

كتب: حازم الوكيل وأحمد ماجد

الإبادة الجماعية.. صفحة سوداء فى تاريخ الخلافة العثمانية

الإبادة الجماعية.. صفحة سوداء فى تاريخ الخلافة العثمانية

رغم أنها أطلقت على إمبراطوريتها دولة الخلافة الإسلامية، فإنها لم تتحل بأخلاق الإسلام وأدارت خلافة الأتراك العثمانية جرائم الإبادة الجماعية الأولى فى التاريخ الحديث، وذلك فيما يعرف تاريخياً باسم المحرقة الأرمينية أو الجريمة الكبرى، حيث تعمدت الخلافة العثمانية القتل المتعمد والمنهجى للسكان الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، مجازر وترحيل قسرى للمواطنين الأرمن. ويقدّر الباحثون أن أعداد الضحايا الأرمن تراوحت ما بين مليون و1.5 مليون نسمة، أغلبيتهم مجموعات عرقية مسيحية كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم، واصفين هذه الأحداث، بأنها جزء من نفس سياسية الإبادة التى انتهجتها الإمبراطورية العثمانية ضد الطوائف المسيحية، وقال رافى فهران، أحد شباب الأرمن فى الإسكندرية، لـ«الوطن»، إنه ولد فى مصر، إلا أن أجداده حضروا المذابح، وكانت أعمارهم لا تتخطى فى ذاك الوقت 10 سنوات، وتابع: «ما حدث من مذابح الأرمن، تقشعر له الأبدان، فإبادة مليون ونصف المليون شخص، فى أيام معدودة، واغتصاب ودمار، هى أكبر عملية إبادة فى تاريخ البشرية». وأضاف فهران أن حملة الإبادة تعرف أيضاً باسم «المحرقة الأرمنية» و«المذبحة الأرمنية» أو «الجريمة الكبرى» فى العام 1915، وهى تكشف عمليات القتل المتعمد والمنهجى للسكان الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وتابع أن جدته قصت عليه تفاصيل المذبحة قائلة: «إنها كانت فى الثالثة من عمرها، على الرغم من صغر سنها، إلا أنها رأت القوات العثمانية، وهى تدخل جميع المنازل، وتحرقها بمن فيها، مما أدى لوجود حالة من الهلع والرعب فى وسط الأرمن، جعلهم يهربون إلى الشواطئ فى انتظار أى سفينة نجاة». واستطرد متذكراً أن جدته أكدت له أن القوات العثمانية كانت تمشى فى الشوارع تقتل كل من تقابله بوحشية، ومن الجنود من كان يغتصب النساء، إلا أنهم تركوا الأطفال، الذين هربوا ومشوا فى رحلة طويلة، لآلاف الأميال للوصول إلى الشواطئ، وكانت السفن الأجنبية تأخذهم فى طريقها، لترحل البعض منهم إلى سوريا، والبعض منهم إلى مصر والأردن. وأشار إلى أن جميع الدول لا بد أن تعترف بمذابح الأرمن، لمعاقبة كل من ارتكب جريمة فى حق البشرية، عن كل جرم ارتكبه. وأوضح أن الطريقة المنهجية المنظمة التى نفذت عمليات القتل، كان هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر المذبحة ثانى أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكوست وكلمة الإبادة الجماعية قد صيغت من أجل وصف هذه الأحداث. وأردف قائلاً: «توجد اليوم العديد من المنشآت التى تضم بعض رفات ضحايا المذابح، ويعتبر يوم 24 أبريل من كل عام ذكرى مذابح الأرمن، وهو نفس يوم المذابح الآشورية، وفيه تم اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن فى إسطنبول، وبعد ذلك طرد الجيش العثمانى الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على المسير لمئات الأميال بعد حرمانهم من الغذاء والماء، وكانت المجازر عشوائية وتم مقتل العديد بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم الاعتداء الجنسى على العديد من النساء». الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد بكلية الآداب فى دمنهور، أكد أن الدولة العثمانية واجهت مشكلة معقدة جداً فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، أطلقت عليها المسألة الشرقية، ونتج عنها بوادر انشقاقات كبيرة فى الجسد العثمانى، وهى التى لم تقم على أساس دينى بل استمدت قوتها من الإسلام فى البداية للسيطرة الروحية والمادية على المسلمين. ولفت إلى أن النظام الاتحادى كان يُعانى أزمة هوية، والنظام النازى بعد هزيمته فى الحرب العالمية الأولى كان يُعانى أيضاً من أزمة هوية، ولذلك كان الحل الأمثل من وجهة النظر العثمانية هو حل أزمة الهوية عن طريق الإبادة الجماعية، لأن تركيا الحديثة قامت على أنقاض الأرمن، من خلال إرضاء الجنرالات الأتراك بثروات الأرمن ودخولهم فى خضم طبقة البرجوازية. وأضاف: «عندما تهاوت أركانها لجأت إلى الإسلام مرة أخرى لانتشالها من الانهيار فيما عُرف بمشروع الجامعة الإسلامية، وهنا حاول السلطان عبدالحميد الثانى من خلال هذا المشروع إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وترتب على ذلك عداء واضح ضد غير المسلمين فى الفضاء العثمانى». وأشار أستاذ التاريخ الحديث، إلى أن مسألة تدشين إعلاء الأنا العثمانى المسلم على حساب الآخر العثمانى غير المسلم، برزت منذ عهد السلطان عبدالعزيز، وبالفعل تم بث هذه الأفكار بين العشائر الكردية التى تلاحم الأرمن جغرافياً، ولهذا رأى الأكراد أن الأرمن المسيحيين يريدون الإجهاز على الدولة العثمانية المسلمة، وبالتالى جواز قتلهم والتخلص منهم، وعليه فإن النازية كمصطلح أو إعلاء الأنا على الآخر تضرب بجذورها فى عمق التاريخ الإنسانى، ودائماً ما تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية. وأضاف شاب أرمنى، فضل عدم ذكر اسمه، أن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، يجلس حالياً على عرش الأتراك ويشرب نخب المجازر ضد الأرمن، وينعم بتاريخ المذابح التى مارسها ضدنا الأتراك، لافتاً إلى لجوئهم للدول الأخرى التى تحترم حقوق الإنسان من أجل الاعتراف بتلك الجرائم العظمى ومن ثم المطالبة بحقوقهم التاريخية من الدولة التركية، تماماً مثلما حصلت اليابان على حقها من الولايات المتحدة الأمريكية بعد ضرب مدينة ناجازاكى بقنبلة هيروشيما.