أحد السعف في أسبوع الآلام.. الكنيسة تستبدل ستائرها البيضاء بـ"سوداء"

أحد السعف في أسبوع الآلام.. الكنيسة تستبدل ستائرها البيضاء بـ"سوداء"
الروائح الذكية تنبعث من المباخر، تملأ الفراغات بين المصلين، يصطدم دخانها بصلبان السعف التى ترفعها النساء المتشحات بأغطية رأس مسدلة على أكتافهن، قداس السعف الذى بدأ فى السابعة، تشارك فيه «ميرنا»، 23 عاماً، متأخرة، فى سترة خفيفة تلائم الأجواء الربيعية.
أحد السعف:
أمام موقد المنزل (البوتاجاز) تقف «أنجيل»، والدة «ميرنا»، لقلى أقراص الطعمية وطهو «الترمس» مر الطعم. «الطعمية هى أهم أكلة بناكلها خلال أسبوع الآلام، لأنها أكلة فيها تقشف، وغير كدة الفول أى حاجة ما فيش فيها روح، لأن ده أسبوع التقشف» تقول الأم.
لم يدرك عماد دكران، 51 عاماً، والد ميرنا، قداس «أحد السعف» بسبب انشغاله فى عمله: «شغلى بقى واخدنى من الصلاة والكنيسة بشكل كبير للأسف، رغم إن الشركة اللى بشتغل فيها صاحبها مسيحى.
«بشارك فى البصخات بس بالليل» يقول عماد، الذى قضى وقتاً من حياته فى سنوات الشباب «شماساً» مثلما هو الحال مع ابنيه «أبانوب وماريو»، شقيقىْ ميرنا الصغيرين، اللذين انضما للشموسية منذ نحو 8 سنوات.
ثمانى سنوات هى عمر كنيسة «السيدة العذراء ومار يوحنا» القريبة من منزل الأسرة المسيحية الأرثوذكسية فى منطقة الشوربجى بفيصل، وهى ذاتها المدة التى قضاها الشابان «أبانوب وماريو» ضمن فريق الشموسية فى الكنيسة ضمن خدمتيهما الكنسية، ارتديا خلالها ثياب الشمامسة المعهود لدى المسيحيين الأرثوذكس «التونية» وهو الجلباب الأبيض المطرز بالخيوط الذهبية، و«البطرشيل» الحزام ذو اللونين الأحمر والأسود (القاتم).
بإيقاع سريع مشدود، ونغمة فيها من الفرح ما يكفى لأن تُوصف بين المسيحيين بأنها «قراءة شعانينى»، يقف الشابان «أبانوب وماريو» فى مقدمة فريق الشمامسة الناظرين بطرف عين إلى رئيسهم وكاهن الكنيسة، يقرأون بعيون تطوف سريعة بين سطور كتاب الـ«قاطامارس» الخاص بالشمامسة:
«هو ذا ملكك يأتيك راكباً على جحش ابن آتان... اليوم تمت الأقوال.. من النبوات والأمثال.. كما تنبأ زكريا وقال.. نبوة عن أيسوس بى أخرستوس».
يشرع الأب الكاهن فى الصلاة على «مياه التجنيز»، التى تُرش على الموتى المسيحيين الأرثوذكس، فى صحن بلاستيكى عميق، فبحسب ما يقول «أبانوب»، الشماس: «المياه دى بيتم الصلاة عليها علشان تكون مقدسة وأبونا (راعى الكنيسة) يرشم بيها الشعب، يعنى يرش بيها الناس اللى موجودين فى القداس، علشان لو واحد منهم مات خلال الأسبوع ده ما ينفعش نصلى عليه أو نجنزه».
قبل أن يرشم قسيس الكنيسة الحضور بالمياه، وصلت إحدى السيدات متوفاة «يا بختها، كدة أخدت من مية التجنيز اللى اتقرا عليها للشعب كله» تقول الأم «أنجيل»، موضحة مدى التبارك بمياه التجنيز التى يصلى عليها خلال قداس أحد السعف.
طيلة الصلاة كان الشقيقان «أبانوب» و«ماريو»، فى ثياب الشموسية ذات اللون الأبيض الناصع، والأحمر الذى يرمز إلى الفرح، «البطرشيل؛ اللى هو الحزام اللى بنلفه حوالينا بيكون له وشين كل وش بلون، اللون الأول أحمر بنلبسه فى قداسات الفرح، والوش التانى بنلبسه فى صلوات الحزن يقول «أبانوب».
الكنيسة المتشحة بالسواد منذ الحادية عشرة صباحاً انتقلت إلى حالة الحزن الذى يلائم الأسبوع الطقسى فى العقيدة المسيحية، «الأوشحة والستائر والرايات السودا دلالة على حزن الكنيسة على الوشاية بالمسيح وآلامه وموته» تقول الأم «أنجيل»، بحسب اعتقادها، عن الرايات السوداء التى يتم استبدالها بالرايات البيضاء التى تظل معلقة طوال أيام العام.
فى مساء يوم الأحد، المعروف بين أيام أسبوع الآلام بـ«أحد السعف»، والذى يوافق بحسب العقيدة المسيحية يوم دخول المسيح إلى أورشليم (القدس)، تُقام فى الكنيسة أولى البصخات، وهى صلوات كنسية ذات طابع خاص يؤديها المسيحيون فى الكنيسة خارج الهيكل.
«المسيح مخلصنا أتى وتألم لكى بآلامه يخلصنا» يقول رئيس الكهنة، ليرد عليه الشمامسة «فلنمجده ونرفع اسمه لأنه صنع معنا رحمة كعظيم رحمته». وتبدأ معها أولى الصلوات «البصخات» بتلاوات قبطية.
يعتاد الأب وابناه على حضور البصخات المسائية، حيث توافق مواعيدهم معاً، الأب لا يرتبط فى المساء بأى عمل، والابنان فرغا من الحصص والمحاضرات الدراسية، فى الكنيسة يجلس القس على مقعد مستطيل فى المنتصف يشكل أحد أضلاع مربع تتراص فى محيطه المقاعد.