إسرائيل في قبضة محكمة العدل الدولية!

جمال حسين

جمال حسين

كاتب صحفي

ساعات قليلة وتقف إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لمحاكمتها فى القضية التى أقامتها دولة جنوب أفريقيا والتى تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وعمليات إبادة بشرية جماعية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة مما تسبب فى استشهاد ٣٠ ألف فلسطينى وإصابة ٧٠ ألفاً أى أن الخسائر البشرية بلغت نسبتها ٤٪ ما بين شهيد وجريح معظمهم من الأطفال والنساء وتدمير المنشآت والمستشفيات والمساكن والبنى التحتية.. جنوب أفريقيا طالبت المحكمة بسرعة التدخل لإيقاف المجازر وحقن دماء الأبرياء.

صباح غد الخميس تتجه أنظار العالم على مدى يومين صوب محكمة العدل الدولية فى لاهاى حيث يجلس ١٥ قاضياً من خيرة قضاة العالم على منصة «قصر السلام» تلك المنصة التاريخية التى فصلت فى نزاعات تاريخية بين الدول ونظرت ١٧٨ قضية دولية منذ نشأتها عام ١٩٤٧ وحتى الآن.

ولمن لا يعرف فإن محكمة العدل الدولية هى الجهاز القضائى الرئيسى للأمم المتحدة وتتولى الفصل فى النزاعات التى تنشأ بين الدول، وتقدم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التى قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وتستند قراراتها على مبادئ القانون الدولى وأحكامها لا تقبل الاستئناف.

ومن أهم أحكامها إدانة الصرب بالإبادة الجماعية لشعب البوسنة والهرسك، وقضايا الجرف القارى لبحر الشمال وقضية النزاع الإقليمى بين ليبيا وتشاد وقضية نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

صباح الغد سوف يتوافد على المحكمة وفدا جنوب أفريقيا وإسرائيل وعشرات المحامين الذين انضموا للدولة مقيمة الدعوى.. كانت المفاجأة موافقة الحكومة الإسرائيلية على المثول أمام المحكمة بل وطلب نتنياهو حضور قاضٍ إسرائيلى وأكدت الخارجية أن وفدها سوف يحضر أمام المحكمة لدحض اتهامات جنوب أفريقيا بارتكاب الإبادة الجماعية فى حرب غزة.. ووصفت طلب جنوب أفريقيا بأنه لا يستند إلى أى أساس قانونى واتهمتها بالتعاون مع جماعة إرهابية تدعو لتدمير إسرائيل فى إشارة إلى حركة حماس، وقالت إسرائيل إنها لن تلتزم بقرار محكمة العدل الدولية فى حال صدور حكم بوقف الحرب.

المراقبون وكل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل تخشى كثيراً من هذه القضية التى سوف تضع محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة على المحك لدرجة أن نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى قام خلال الأيام الماضية بالاتصال بقادة الدول من أجل إقناعهم بإصدار تصريحات تدعم موقف إسرائيل أمام المحكمة الدولية وجاء نص البرقية التى أرسلها لهم كالتالى: نطلب منكم بياناً عاماً فورياً لا لبس فيه بأن تعلن علناً وبشكل واضح أن بلدك يرفض الاتهامات الشنيعة التى لا أساس لها ضد إسرائيل، وأكدت الخارجية الإسرائيلية أن واحداً من الملفات التى ستستند عليها تل أبيب فى المحكمة أن أحداً من قادة الدول لم يُطلق وصف «إبادة شعب» على ما حدث ويحدث فى قطاع غزة.

ومما يؤكد أن هذه القضية تربك إسرائيل بشكل كبير جداً ما قامت به الحكومة الإسرائيلية بإزالة تصريحات المسئولين الإسرائيليين خوفاً من تأثيرها السلبى على حكم المحكمة باعتبارها دليل إدانة وتأكيد الخارجية الإسرائيلية أن الوفد الذى يمثل إسرائيل سوف يؤكد للمحكمة أن تصريحات هؤلاء المسئولين قد فُسرت خطأ وأنهم لم يكونوا يقصدون ما تحدثوا به، خاصة تصريحات وزير الأمن الإسرائيلى جالانت الذى وصف أهالى قطاع غزة بـ«الحيوانات البشرية» وقوله إن إسرائيل فرضت حصاراً شاملاً على القطاع.

محكمة العدل الدولية أكدت فى بيان رسمى لها أن دولة جنوب أفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وأعمال إبادة بشرية، وأن بعض الدول - منها الأردن وماليزيا وتركيا - أعلنت دعمها لجنوب أفريقيا فى الدعوى، فى حين رفضتها الولايات المتحدة.

وفد جنوب أفريقيا أعد ملفاً متكاملاً من ٨٠ صفحة يضم كل أدلة الإدانة الخاصة بجرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبتها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية بما فى ذلك عمليات القتل والتهجير القسرى للمدنيين، خاصة الأطفال والنساء والشيوخ، واستباحة حرمة المستشفيات ومراكز الإيواء، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها وجرائم التطهير العرقى.

من المهم أن نعلم أن محكمة العدل الدولية تتألف من ١٥ قاضياً يتم انتخابهم لمدة ٩ سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.

ولا تضم المحكمة أكثر من قاضٍ واحد من جنسية دولة واحدة وتجرى الانتخابات كل ثلاث سنوات لانتخاب ثلث القضاة ويجوز إعادة انتخاب الأعضاء المنتهية مدتهم. ولا يمثل قضاة المحكمة حكوماتهم وهم قضاة مستقلون.

وتتولى رئاسة المحكمة القاضية الأمريكية جوان دونوهيو، ويشغل منصب نائب رئيس المحكمة القاضى الروسى كرييل غيفورغيان، وباقى القضاة أعضاء هيئة المحكمة هم: بيتر تومكا من سلوفاكيا، ورونى أبراهام من فرنسا، ومحمد بنونة من المغرب، وعبدالقوى أحمد يوسف من الصومال، وشيويه هانكين من الصين، وجوليا سيبوتيندا من أوغندا، ودلفير بهاندارى من الهند، وباتريك ليبتون روبنسون من جامايكا، ونواف سلام من لبنان، وأواساو يوجى من اليابان، وجورج نولتئ من ألمانيا، وهيلارى تشارلز من أستراليا.

بقى أن نعلم أن أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة لكل دول العالم ولا يوجد لها استئناف، لكن الجهة المنفذة لهذه الحكام هو مجلس الأمن ويمكن أن تستخدم أمريكا وفرنسا وبريطانيا حق الفيتو لمنع تنفيذ الأحكام لكنهم فى هذه الحالة سوف يخسرون احترام ١٥٣ دولة الموقعة على لائحة محكمة العدل الدولية، وإذا صدر حكم بوقف المجازر ولم تنفذه إسرائيل ستتخذ الأمم المتحدة العديد من القرارات ضدها.

وهناك مخاوف من تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين للضغط على الدول ومحكمة العدل الدولية لمنع إصدار أى أحكام تدين إسرائيل.

نعم، محكمة العدل الدولية فى مأزق وعلى المحك.. فجريمة إبادة ٣٠ ألف فلسطينى ثابتة وشاهدها القاصى والدانى على الهواء مباشرة، ونفس المحكمة كانت قد أصدرت من قبل حكماً بإدانة يوغوسلافيا بسبب إبادة ٧ آلاف فقط من البوسنة والهرسك، وسوف تقع فى إشكالية قانونية وأخلاقية إذا حكمت حكماً مغايراً فسوف تؤكد للعالم أجمع أنها والأمم المتحدة يكيلون بمكيالين مما يفقد الأمم المتحدة مكانتها وسمعتها ويفقد دول الفيتو احترامهم أمام ١٥٣ دولة فى العالم!

أتمنى أن تدين محكمة العدل الدولية إسرائيل وتصدر حكماً بإيقاف المجازر، لكن جبروت القطب الواحد يجعلنى غير متفائل لكن أدعو الله أن يخيّب ظنى!