القس د. أندريه زكي يكتب.. «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني»

القس د. أندريه زكي يكتب.. «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني»
فى مشهد مبهج تصور الأناجيل ميلاد المسيح؛ فقد هتفت الملائكة «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة»، وجاء مجوس من المشرق يسألون عن المولود «الملك»، بعد أن رأوا نجماً يدلهم على مولد هذا الملك. لكن بعد زيارة المجوس يصف لنا إنجيل متى مشهداً دموياً، تسبب فيه هيرودس الملك. ويروى لنا إنجيل متى هذه القصة كالتالى:
«وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِى بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِى أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِى الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ».
فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ.. حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِراً، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِى ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِى، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضاً وَأَسْجُدَ لَهُ».. وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِى حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ».. حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِداً. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِى بَيْتِ لَحْمٍ وَفِى كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِى تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ» (إنجيل متى 2: 1-4، 7-8، 13، 16).
كان هيرودس ملكاً قاسياً، تسيطر عليه الكراهية. وتشير العديد من الروايات إلى تورطه فى قتل عدد من أفراد أسرته. وربما هذا يفسر السبب الذى دفع هيرودس إلى قتل كل الأطفال فى بيت لحم وكل التخوم المحيطة بها. ومع أن الفترة الزمنية التى ارتبطت بزيارة المجوس لا تتجاوز العام، ورغمَ إن المكان المحدد هو بيت لحم، فلقد قرر هيرودس قتل الأطفال من سنتين فأقل فى كل البلاد اليهودية والبلاد المحيطة بها.
أما هؤلاء المجوس الذين جاءوا من المشرق، فرغم أن تصرفهم كان بحُسن نية؛ إذ ذهبوا ليسألوا عن الملك المولود فى قصر هيرودس الملك، لكن هذا التصرف تسبب فى كارثة كبيرة. وتسبب أيضاً فى هروب المسيح وأسرته إلى أرض مصر.
وهنا يتساءل البعض: لماذا وجّه الملاك يوسف إلى أرض مصر فى حين أن العراق مثلاً مكانٌ أقرب وكان به استقرارٌ آنذاك، والإجابة المباشرة لهذا التساؤل تأتى من التاريخ والنبوءات؛ فمصر هى التى لجأ إليها أبونا إبراهيم حين حدثت المجاعة الأولى فى الأرض، ومصر هى التى أتى إليها شعب إسرائيل مع يوسف فى أيام المجاعة وقدمت الحياة للجميع، ومصر هى المكان الذى لجأ إليه الطفل يسوع هرباً من الطاغى هيرودس. وبهروبه إلى مصر تتحقق النبوة «من مصر دعوت ابنى» هذه النبوة تشير إلى حدثين: الحدث الأول هو خروج شعب إسرائيل من أرض مصر، والحدث الثانى يشير إلى دعوة المسيح من بلادنا، وفى كلتا الحالتين قدمت مصر الملجأ الآمن.
كانت هذه الرحلة صعبةً، فلقد واجه السيد المسيح وأسرته تحديات كبيرة، فقد هربت هذه الأسرة إلى بلاد مختلفة فى طبيعتها الجغرافية والديموغرافية، واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، وكذلك المخاوف من عدم العودة. لكن بعد ذلك بعدة سنوات عادت الأسرة إلى وطنها مرة أخرى.
جاء المسيح إلى مصر لاجئاً، وقدمت له مصر -كعهدها دائماً- الأمان وحُسن الضيافة. فمصر بلد عظيم، صاحب حضارة، ملاذ آمن لكل من يلجأ إليها.