قصة حياة المترو

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

من أفضل وسائل المواصلات، التي تسير على خطوط حديدية، القطار الأول والترام والمترو، كلها وسائل رائعة للتنقل من مكان إلى آخر مهما كانت المسافات.. الخطوط الحديدية آمنة، سريعة، نظيفة، وإذا كانت تعمل بالكهرباء فهي تحافظ على البيئة، لا تنفث العوادم المؤذية ولا تلوث البيئة.

مؤخرا بدأ التشغيل التجريبي لست محطات جديدة في الخط الثالث لمترو الأنفاق لاستكمال هذا الخط القادم من أقصى شرق القاهرة إلى أقصى غرب الجيزة قاطعا عشرات الكيلو مترات حاملا ملايين المواطنين بعيدا عن زحام الشوارع ومشاكل المرور.

وبهذه المناسبة أبدي تقديري لكل من ساهم في وجود هذا المشروع في مصر، الرئيس الراحل حسني مبارك، المهندس سليمان متولي وزير النقل والمواصلات الراحل، المهندس الحسيني عبد السلام أول رئيس للهيئة القومية للأنفاق، والمهندس عبد السلام شعث أول رئيس لجهاز المترو .لقد بذل هؤلاء ومعهم كل مهندس وعامل الجهد والعرق والفكر لتأسيس هذا المشروع العظيم الذي بدأ العمل في أول خط له عام 1982.

كانت خبرة المصريين في هذا المجال محدودة، ترتبط فقط بحفر وبناء أنفاق مرور السيارات التي تعبر مسافات قصيرة ولا تحتاج إلى خبرة هندسية خاصة بتحويل خطوط المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي أو تجفيف المياه الجوفية وحقن التربة بالعوازل البنائية، كما أن الحفر كان يمر أسفل مبان في وسط القاهرة ويحتاج إلى ماكينات عملاقة للحفر تعمل بدون إلحاق أضرار بتلك المباني أو تسبب اهتزازات ضارة بها.

ساعدتنا الخبرة الفرنسية التي أسست لمجال الأنفاق الخاصة بالمترو واكتسب المصريون الخبرة وصاروا ينفذون المشروعات بحجم أكبر ومد الخطوط لمسافات أطول.

استمرت الدولة في بناء خطوط المترو ولم تبخل على هذا المشروع فائق الحيوية بالاعتمادات والميزانيات.

يولي الرئيس عبد الفتاح السيسي عناية كبيرة بهذا المشروع وأشقائه من مشروعات السكك الحديدية بأنواعها.

وتشهد البلاد طفرة في هذا النوع من المشروعات ساهم تنفيذها في تخفيف الأزمات المرورية وتسهيل انتقال المواطنين إلى كل الأنحاء بيسر أكثر.

يعد مترو الأنفاق من أهم الإنجازات التي تتواصل بدون توقف وتمنح المواطن قيمة وفائدة حقيقية، لكن المسئولين عن الإعلام بالمترو غير قادرين على التعبير المناسب عن حجم الإنجاز أو توصيل ما تم للمواطنين بصورة حقيقية، حيث إن ما يقدمه المترو يمكن أن يكون عنوانا لسلسلة من الإنجازات في مجالات السكك الحديدية بشكل عام ولا يقتصر على المترو فقط.

ربما يعتقد المسئولون عن الإعلام أن المسألة مجرد تشغيل ميكروفونات في المحطات -للإعلان عن الأشياء المفقودة فقط-. إن الرسالة الإعلامية الخاصة بالمترو عاجزة عن مواكبة الإنجاز، خاصة أن الهيئة تشمر عن ساعديها لإنجاز مترو الإسكندرية «محطة مصر – أبوقير» وهو مشروع كبير ومؤثر يساهم في نقل حركة التنقل والمرور في المدينة العريقة بشكل غير مسبوق .

وهذا الخط الذي يمتد بعرض المدينة الساحلية يصل طوله إلى ما يقرب من 22 كيلومترا وبه حاليا 16 محطة وأعتقد أنه سيتم زيادة عدد المحطات لأن المسافات بين المحطات الحالية يزيد طول كل منها على كيلو ونصف الكيلومتر.

ومن أهم الإيجابيات والمزايا أن هذا الخط سطحي وبالتالي ستكون تكلفته أقل وتنفيذه أسرع.

وربما يصل في يوم ما إلى العجمي غرب الإسكندرية أو حتى إلى الساحل الشمالي.

مترو الأنفاق ابن وحفيد لمواصلات سابقة عليه في مصر. أولها السكك الحديدية التي كانت مصر ثاني دول العالم في إنشائها بعد بريطانيا.

بدأ التفكير في إنشاء سكك حديد مصر – س ح م – البراند العريق المشهور، في عام 1834 لإنشاء خط بين الإسكندرية والسويس، وربما كان ذلك التفكير لربط مياه البحرين المتوسط والأحمر، وهو تفكير سابق لإنشاء قناة السويس، لكن لم يتم تنفيذ الخط لأسباب سياسية.. عاد التفكير مرة أخرى وبدأ تنفيذ الخط عام 1851 وانتهى العمل به وافتتاحه 1854.

وصل الخط بين الإسكندرية والقاهرة في مرحلته الأولى وبعد سنوات امتد إلى الصعيد موازيا لنهر النيل.

بعد اكتشاف الكهرباء وتطبيق استخدامها بشكل واسع، تعاقدت الحكومة المصرية مع شركة فرنسية عام 1893 لتنفيذ مشروع لإضاءة القاهرة والإسكندرية.

استبدلت الشركة اللمبات القديمة في شوارع المدينتين وتعاقدت مع المواطنين والشركات والمؤسسات لتوصيل الكهرباء.. كان وجود الكهرباء في مصر واستخدامها فتحا كبيرا في مجال المواصلات.

كانت الشركات البلجيكية في ذلك الوقت في طليعة الشركات المتقدمة في مجال التصنيع، خاصة في قطاع السكك الحديدية التي تعمل بالكهرباء، فتم التعاقد مع شركة بلجيكية لإنشاء خطوط الترام في الإسكندرية والقاهرة.

كانت الإسكندرية تعرف الترام المكون من عربات تجرها الخيول ولكن بعد وجود الكهرباء تم تطوير الخطوط.

أنشأت الشركة البلجيكية في بداية عملها بالقاهرة 8 خطوط للترام أو – الترامواي – مركزها جميعا في ميدان العتبة الذي يعتبر نقطة المركز في القاهرة ومنه تبدأ المسافات وكان ذلك في عام 1896.

في البداية واجه الترام مناوشات من قائدي عربات الكارو والحنطور وأطلقوا شائعات تقول إنه يسبب العقم للنساء فلم تكن النساء يفضلن ركوبه لفترة.

بعد الإقبال الكبير على الترام السريع الذي لا يلوث البيئة مدت الشركة خطوطا أخرى، أحدها من السيدة زينب إلى غمرة بطول شارع الخليج المصري، الذي تم ردم الترعة الموجودة به، كما مدت خطا من باب الحديد إلى شبرا ينتهي في المنطقة التي تسمى الدوران، حيث كان الترام ينهي رحلته هناك ويدور للعودة مرة أخرى عبر شارع شبرا.

في يوم افتتاح أول خط للترام، استقله أبناء الأسرة الحاكمة والوزراء وكبار رجال الدولة من أول خط بولاق وحتى قلعة صلاح الدين مرورا بالعتبة وشارع محمد علي.

أحدث وجود الترام ثورة عمرانية كبيرة، انتشر العمران الجديد خارج إطار القاهرة الفاطمية وانتقل إلى ضواحي جديدة أقيمت فيها المباني على طرز حديثة.

ولم يكن الترام وحيدا في تلك الفترة، شاركه في السكة الحديد خطا حلوان وكوبري الليمون.

افتتح خط حلوان عام 1872 وكان يعمل بالبخار للربط بين القاهرة وضاحية حلوان الاستشفائية.

في عام 1956 تم تحويله للعمل بالكهرباء.. أما خط كوبري الليمون فأنشئ عام 1889 لربط القاهرة بضواحيها الشرقية، وسميت محطته الأولى في ميدان باب الحديد بهذا الاسم لوجود سوق لليمون بالمنطقة وكان هناك كوبري يعبره المشترون للجانب الآخر من السوق.

هذان الخطان كانا حجر الأساس ونواة مترو الأنفاق الحالي الذي بدأ العمل في تنفيذه عام 1982 وافتتح في أول أكتوبر 1987 وكانت هذه المرحلة - التي تسمى المرحلة الأولى أو الخط الأول - بطول يقرب من 43 كيلو مترا، منها الجزء الذي يخترق وسط القاهرة أسفل مبانيها.

يعد مشروع مترو الأنفاق من المشروعات العملاقة التي تخدم ملايين المواطنين والذي أنفق على إنشائه آلاف المليارات من الجنيهات ويعمل في تشغيله آلاف المواطنين.

وهو مشروع نفخر به جميعا فقد كان الأول في أفريقيا والمنطقة العربية وعندما يكتمل بخطوطه الستة سيشبه عنكبوتا هائلا وأسطوريا يلتف حول العاصمة الأكبر في القارة وفي الشرق الأوسط والمنطقة العربية.