غزة وأوكرانيا

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

الفرق شاسع بين غزة وأوكرانيا الأولى عربية، والثانية أوروبية الأولى يسكنها مسلمون في الغالب، الثانية سكانها كلهم مسيحيون الأولى سكانها سمر البشرة، الثانية سكانها بيض البشرة الأولى عيون سكانها سوداء أو عسلية، الثانية عيون سكانها زرقاء الأولى مساحتها عبارة عن قطاع صغير، الثانية مساحتها كبيرة الأولى فقيرة للغاية، الثانية غنية لدرجة كبيرة الأولى لا تملك سلاحا كافيا لحمايتها، الثانية تملك أسلحة حديثة وكافية لحمايتها الأولى تضربها أمريكا بيد إسرائيل، الثانية تحميها أمريكا وكل أوروبا من هجوم دولة بحجم روسيا هذه الفروق الواضحة المادية الملموسة تعطينا الصورة الحقيقية لوضع غزة ووضع أوكرانيا.

تفتح أمريكا ترسانتها المهولة متجاوزة الكونجرس لكي تضخ قنابل وصواريخ جديدة لإسرائيل لأنها تستخدم الكثير منها لقتل المدنيين وتعيد تدمير ما دمرته من قبل في غزة أيضا تفتح أمريكا ترسانتها لأوكرانيا بمبرر دفاعها عن أرضها ضد الغزو الروسي – كما تردد - في مجلس الأمن تقدمت أمريكا وحلفاؤها مرات بقرارات لإدانة الهجوم الروسي، أما عن غزة فقد اعترضت أمريكا على قرار بوقف إطلاق النار على المدنيين، رغم أن إسرائيل لا تواجه جيشا نظاميا إنما تواصل قتل المدنيين أين العرب من غزة؟

تبذل مصر وقطر جهودًا تنسيقية لوقف إطلاق النار ومد القطاع بشاحنات الغذاء والاحتياجات الأساسية للسكان ولكن إسرائيل تستمر في تنفيذ مخططها لتهجير السكان ونزوحهم إجبارا في شكل طواعية بعدما توجه لهم الإنذارات بأنهم سيضربون مساكنهم، من الطبيعي أن يرحل الناس للنجاة بحياتهم من القتل والتدمير.

وهذا أمر لا يمكن لأي شخص أو كيان أن يلوم عليه الفلسطينيين الذين يفرون لكي ينقذوا أنفسهم وأطفالهم عندما احتدم الأمر في الأندلس منذ قرون طويلة كانت - الطوائف – العربية، أو شراذم دولة الخلافة تتصارع فيما بينها وتتنافس على صغائر الأمور حتى تعاظمت قوة أهل البلاد من الأسبان الذين استعصوا على دخول الإسلام أو تعلم اللغة العربية، أو ربما لم تبذل دولة الخلافة الأموية هناك جهدا للتأثير عليهم.

وتركت الأمور حتى استفحلت بعد ما يقرب من 800 سنة على وجود العرب والإسلام هناك وبعد انتصار الأسبان واسترداد الأندلس من العرب أعادوا الجميع إلى الديانة المسيحية ونبذوا كل ما كان للعرب الذين بقوا لقرون يندبون ضياع الأندلس وبعد نكبة فلسطين عام 1948 أسموها النكبة الثانية بعد الأندلس.

لكن الملاحظ أن هؤلاء وأولئك كان أمامهم الوقت ليدركوا أن النكبة قادمة وأن العدو يعد العدة للاستيلاء على الأرض وعلى الثروة وعلى السلطة هنا وهناك ومع ذلك لم يتدبر أصحاب الشأن حالهم وبقوا ليشاهدوا الضباع تفتك بالفريسة وكأنهم يشاهدون برنامج عالم الحيوان ماذا لو نفذت إسرائيل مخططاتها؟

ماذا لو طردت منظمات الأمم المتحدة من غزة – الأونروا - ؟ ماذا لو استمرت تمنع مقومات الحياة الأساسية لتترك شعب فلسطين في غزة ينهار ويموت؟ ماذا لو استمر الموقف العربي على هذا الشكل ولم يتخذ العرب والمسلمون خطوة حقيقية لإنقاذ الشعب الأعزل؟ ماذا لو ضمت إسرائيل غزة للأراضي التي احتلتها وغيرت ملامحها ونفذت مشروعاتها الاستعمارية على أرضها؟

من قبل كان شعار المقاومة العربية أن الصراع مع إسرائيل صراع وجود لا صراع حدود، لكن حتى الحدود صارت لينة وطيعة في أيدي الصهيونية ولا تجد تصد عربي أوإسلامي ما نتيجة اتصالات اللجنة التي شكلتها القمة العربية الإسلامية من بعض وزراء الخارجية؟

نقترب من ثلاثة شهور على الحرب بين البرغوث والكلب – حرب عصابات -، حرب تدمير من جانب وصمود غير عادي من الجانب الآخر، ولا نتيجة حاسمة، فماذا لو استمرت أمريكا التي لا تجد اعتراضا عربيا حقيقيا على موقفها في دعم إسرائيل تشجيعا لها على إبادة الفلسطينيين؟ سؤال أخير: أين سكان الضفة الغربية من الفلسطينيين تجاه ما يحدث في غزة؟ لماذا لم يقاوموا ويشتركوا في الحرب دعما لأهلهم في غزة؟