أمن المواطن وأمن الضابط وأمن الدولة
تابعت تصريحات وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار، يوم الخميس الماضى، التى أكد فيها مجىء الوقت لإطلاق العمل الأمنى بشكل يلبى متطلبات المرحلة الحالية من عوامل الحسم والرؤية الاستباقية والرصد المبكر لمخططات التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية وفقاً لاستراتيجية أمنية، دون انتظار لسياسة رد الفعل غير الحاسمة فى مواجهة أعمال العنف واستخدام السلاح والمتفجرات ضد أجهزة الأمن والقوات المسلحة والمواطنين الأبرياء. وذكر أيضاً ضرورة الارتقاء بمستوى التدريب وتنويعه، والتوعية المستمرة بمتطلبات العمل الأمنى من جدية وانضباط ويقظة كاملة والتنسيق بين الأجهزة الأمنية، مشدداً على أن العمل الأمنى يتطلب تحقيق هدفين رئيسيين يتمثلان فى شعور المواطن بالأمن والأمان وبالثقة فى قدرات الأجهزة الأمنية من جانب، وتحقيق الردع لعناصر الإرهاب والإجرام من جانب آخر.
نعم، كلنا يعلم مدى حاجتنا لتلك الرؤية بما تشتمل عليه من تطوير الأداء الأمنى للعاملين بوزارة الداخلية، لا لحماية أم المواطن أو أمن الدولة وحسب، لكن لتحقيق أمن الضابط أيضاً لأنه فى المقام الأول والأخير مواطن يؤدى عمله الشُرطى. ولكن ما أعلنه الوزير يلزمه الكثير من النقاشات حتى لا يطغى هدف على آخر فيما يتعلق بمنظومة أمن المواطن والضابط والدولة. فأمن المواطن الذى تحدث عنه الوزير يواجه الكثير من التحديات فى المرحلة الحالية يأتى فى مقدمتها الإرهاب والإجرام -كما تحدث سيادته- لكن هناك تحديات أخرى لم يذكر منها أسلوب تعامل بعض رجال الأمن مع المواطنين بشكل يسىء للغالبية العظمى فى هذا القطاع، إما باستعادة روح التعالى على عباد الله وإساءة استخدام السُلطات، أو بتجاهل تطبيق القانون لنقص الإمكانيات والقدرات المهارية التى يتطلبها العمل الشُرطى. على سبيل المثال لا يمكن اعتماد التعذيب كوسيلة للحصول على المعلومات تحت أى مبرر، ولا يمكن قبول إلقاء القبض على أى فرد لمجرد الاشتباه فيه دون تيقن من صحة ما لدينا من معلومات، كما لا يمكن قبول اقتراح البعض منهم بالذهاب للتفاوض مع خاطف فتاة أو سارق سيارة لضعف الإمكانيات أو لضمان عودة كليهما. من هنا تبرز الحاجة لتطوير أداء العاملين فى الداخلية -ضباطاً وأمناء ومساعدين ومجندين- فى التعامل مع المواطنين وتفعيل وجود الكاميرات فى كل المراكز والأقسام الأمنية، وتجديد قوانين أداء العمل وسبل توصيل شكاوى المواطنين -إن وجدت- مع سرعة البت فيها وفق قانون للحقوق الأمنية لكلا الطرفين فى تلك العملية، المواطن ورجل الأمن. فلا يتعدى مواطن على رجل أمن يؤدى مهامه ولا يتجاوز الأخير فى حق مواطن أياً كان موقفه. لذا، فالعاملون بالداخلية ليسوا بحاجة للتدريب والارتقاء بمستوى أدائهم الأمنى فحسب، بل البشرى والمعلوماتى والنفسى والتقنى أيضاً؛ حتى لا تنقلب قاعدة «المتهم برىء حتى تثبت إدانته» لتصبح «المواطن مذنب حتى تثبت براءته»! فالرؤية الاستباقية لدحض الإرهاب والإجرام التى تناولها الوزير فى تصريحاته مطلوبة للغاية بالطبع ولا يجادل فيها أحد، لكنها بحاجة لقاعدة بيانات على أعلى المستويات، وأجهزة مراقبة دقيقة، وتطور فى جمع المعلومات والقدرة على اختراق التجمعات الإرهابية أو الإجرامية دون المساس بحقوق أبرياء لا ذنب لهم. ليس هذا فقط بل على الضباط إدراك أنهم ليسوا قضاة ولا مُنفذى عدالة لكنهم ضابطون لها وساعون لتحقيقها يشاركهم ذلك الهدف غالبية المصريين. من هنا تتحقق نظرية أمن الدولة وحمايتها من إرهاب وإجرام وأى اعتداء على المواطن أو الضابط أو الدولة.
سيدى الوزير.. يعلم الجميع موقفى من رجال الشرطة الذين أؤمن بنزاهة الكثيرين منهم وتفانى غالبيتهم لكى تأمن مصر وشعبها، لكن الحق يؤكد أننا بحاجة لرؤية أكثر اتساعاً من تلك التى تطرحها الداخلية اليوم حمايةً للجميع، رؤية تشتمل على الإصلاح من أعلى لأسفل بما تمتلكونه من ممارسة وخبرات، ومن أسفل لأعلى بما لدينا من ملاحظات ورؤى تستحق المناقشة والاستماع والمشاركة فى التطوير. فكلنا شركاء فى وطن تعرض للخطر حينما سعت يد الظلام لهدم مؤسسة الأمن.