الأمريكية التي أبكتها آيات القرآن

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

أدهشتنى سيدة أمريكية ظهرت مؤخراً، تقرأ القرآن الكريم وتتأمل معانيه فى ترجمته الإنجليزية، وتقول إنها تريد أن تراقب شعورها أثناء وبعد القراءة، وإلى ما سينتهى شعورها، لكنها أيضاً توقفت كثيراً وهى تقرأ الآية ٥٦ من سورة النساء «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً»، وقالت إنها كانت عندما تتوقف أمام هذه الآية تشعر أن هناك شيئاً ما، لأنها قرأت فى الكتابات المختلفة عن الله سبحانه وتعالى أنه عادل ورحيم، ورحمته أكبر من غضبه وسخطه، ثم أخذت السيدة فى تلاوة الآية (٥٦) من سورة النساء، وهى تطالب من يشاهدها أن يشاركها الرأى أو الانطباع الذى وصل إلى عقلها ومشاعرها.

قالت السيدة إنها لو كانت طلبت مشاركة الناس فى هذا الانطباع حول هذه الآية قبل ستة أشهر لكانت ستقرأها بشكل مختلف، وكانت سترى أنها قاسية على البشر أو حسب قولها (كيف لإله أن يفعل كل هذا بالبشر)! لكنها كما قالت بعد ما شاهدت ما يحدث للفلسطينيين والقسوة والبشاعة التى يتعرضون لها من إسرائيل، ومن حكومتها، حكومة الولايات المتحدة التى تدفع ثمن القنابل بملايين الدولارات -كما تقول- وصلت إلى نتيجة أنهم يستحقون عقاب الله الذى توعد به فى هذه الآية، وقبل ستة أشهر كانت سترى أن كل إنسان فيه جانب طيب فى أعماقه يستحق به رحمة الله، وكل الناس يستحقون الغفران على أفعالهم، لكنها الآن تعتقد بغير ذلك، وفهمت الآن مغذى الآية التى تتوعد بكل هذا العذاب الشديد، وقالت إنها تشعر بالأسف لحكومتها التى تتسبب فى عذاب شعب كامل هو الشعب الفلسطينى، وأنها شريكة فيما يحدث له، لهذا فهى تشعر بأسف شديد تجاه الشعب الفلسطينى.

لقد تأثرت كثيراً بدموع وكلمات هذه السيدة الأمريكية، التى تحمل من الإنسانية ما لا تملكه دولتها ولا كثير من الدول والمنظمات التى تتغنى صباحاً ومساءً بالعدل والحرية وحقوق الإنسان، والتى اتخذت منه وسيلة للتدخل فى شئون دول العالم أجمع، ونصّبت من نفسها راعية للأخلاق والقيم الإنسانية، وها هى الأيام تثبت للجميع أن كل تلك الشعارات لم تكن سوى وسيلة للسيطرة والهيمنة والاستغلال.

مع الأسف أن الحقيقة التى وصلت إليها تلك السيدة الأمريكية التى تبكى على شعب يباد أمام أنظار العالم، وصل إليها الكثيرون لكنهم لا يستطيعون أن يقدموا شيئاً يوقف حكوماتهم، ومع الأسف الشديد أيضاً أن تلك السياسات لا تقتصر على حكومة الحزب الديمقراطى، لكنها تنسحب أيضاً على سياسة الحزب الجمهورى، وبين هذا وذاك ضاعت الحقوق العربية والفلسطينية على مدى قرن من الزمان، ونظراً لكون الدول الإسلامية ودول الشرق الأوسط لا يمكنها مجابهة كل هذا الظلم والجبروت لأسباب لا تخفى على عاقل، وبعد أن خرجت روسيا من المعادلة، فإنه لم يصبح أمام الفلسطينيين سوى أرواحهم ودمائهم.

صحيح أن هذه الأرواح وتلك الدماء غالية وعزيزة علينا، لكنها ربما تكون الثمن الذى يحصل به الفلسطينيون على جزء من حقوقهم، هذا إن وحّدوا صفوفهم وخلقوا قيادات جديدة تجيد فن السياسة وتملك روحاً وطنية خالصة، لم تلوثها المصالح، وكلنا يعلم كم هى مصالح البعض من استمرأوا التحدث باسم الفلسطينيين، وزايدوا على أصحاب الأرض، وكانوا كلما أوشكت القضية على الحل أشعلوا النيران وافتعلوا المعوقات، وتلقف الإسرائيليون كل هذا ليصب فى مصلحتهم، حتى أصبحت فلسطين هى الدولة المحتلة الوحيدة على مستوى العالم!

مثل هؤلاء وهؤلاء لن يستطيعوا أن يفهموا ما تقوله تلك السيدة التى تمتلك من الإنسانية ما يزرف دموعها حزناً على الفلسطينيين، ولن يخشوا من هول الآية التى توقفت عندها السيدة، من يعرفون الله فقط هم من سيفهمون، ومن يعرفون الله فقط هم وحدهم الذين يحملون الأمل.