المؤرخ الفلسطيني حسام أبو النصر يكتب: غزة تفقد تاريخها

المؤرخ الفلسطيني حسام أبو النصر يكتب: غزة تفقد تاريخها
- انتهاكات الاحتلال
- الموروث الثقافى الفلسطينى
- غزة
- شعب فلسطين الكنعانى
- انتهاكات الاحتلال
- الموروث الثقافى الفلسطينى
- غزة
- شعب فلسطين الكنعانى
ما إن دخلت الهدنة ساعاتها الأولى ووضعت الحرب أوزارها، حتى بدأ مَن يستطيع الوصول إلى منطقته، فى تفقُّد ما تبقى من بقايا المنازل، وبقايا الذكريات، وبقايا جثث الشهداء الملقاة على الأزقة وتحت الركام، ليتكشف لنا الجانب الآخر من العدوان والذى أظهر استهداف التاريخ والهوية وليس الإنسان فقط.
ولقد بدأتُ العمل منذ أول يوم للحرب فى متابعة ورصد استهداف المواقع الأثرية والتاريخية فى ظل غياب متابعة ذلك وانتباه العالم لحجم العدوان على الإنسان، فكان لا بد أيضاً من التركيز على هذا الجانب، فتبين خلال تقرير أعددته حول العدوان على الآثار استهداف أكثر من ٣٠ موقعاً أثرياً بين دمار كلى وجزئى، منها الجامع العمرى فى جباليا، وجامع سليم أبومسلم واللذان دُمرا بالكامل، فى حين تم استهدف المستشفى المعمدانى ودُمرت أجزاء منه، وكنيسة بروفيريوس حيث دمِّر مجلس وكلاء الكنيسة بالكامل، وبيت السقا الأثرى بالكامل، فيما تم إلحاق أضرار كبيرة بخمسة متاحف: الخضرى، والعقاد، وقصر الباشا الأثرى، وشهوان، متحف خان يونس، والتى تضم قطعاً أثرية تعود للعهد الكنعانى، واليونانى والرومانى، والبيزنطى، والإسلامى، فيما لم تسلم أهم مكتبات غزة من هذا العدوان الذى يذكّرنا بزمن المغول والتتار، فأحرقت مكتبة جامعة الأزهر، ومكتبة الجامعة الإسلامية، ودُمّر جزء من مكتبة مركز التخطيط التى تأسست ١٩٦٥م، ومكتبة العباس التى تضم كتباً حجرية وبعض المخطوطات التاريخية، فيما شمل القصف الجامع العمرى فى غزة الذى يضم المكتبة العمرية ولا يُعرف مصيرها حتى الآن، فى مشهد يحيلنا إلى العصور الوسطى، لتُدفن الكتب مع الشهداء، وترثى الكلمات الكلمات، وسط صمت عالمى على كل هذه الجرائم التى لم تشفع ولم توقف سقوط ١٤ ألف شهيد.
فكيف للقوانين الدولية أن تمنع أيضاً وقف تدمير كل ما يشكل دليلاً على الوجود الحضارى والإنسانى لشعب فلسطين الكنعانى، الذى أثبت تجذُّره على مر العصور، وقد أشارت إلى ذلك مخطوطات تل العمارنة المصرية التى خلَّدت اسم ١١٩ مدينة كنعانية، وأيضاً التوابيت التى سُرقت بعد عام ١٩٦٧ وأشرف على ذلك «ديان» ضمن حفريات دوثان فى منطقة دير البلح ونُقلت للمتاحف الإسرائيلية، وتبقى منها بقايا قناع كنعانى على الطراز الفرعونى، الذى تعرض أيضاً للعدوان بعد حرب أكتوبر، فيما الحلى والأدوات التى وُجدت تدل على العلاقة الكنعانية الفرعونية، والنتيجة أن إسرائيل استباحت كل ما هو فلسطينى فى غزة، ولم تحترم اتفاقيات جنيف الدولية، حتى القصف طال كلاً من جهاد المصرى وهو مؤرخ فلسطينى، وعائد أبوجياب ورمزى حمودة ممن يعملون فى مجال الأبحاث التاريخية، فى بيت القدس للدراسات والبحوث الفلسطينية، ومروان ترزى وهو مؤرشف فوتوغرافى لتاريخ فلسطين وخاصة غزة، بل واستشهد الشعراء والأدباء والكُتاب والفنانون، ولقد طال القصف نصباً تذكارياً لشهداء مصريين وآثارهم فى غزة، ولم تسلم مواقع تل رفح وميناء أندوثيون فى الشاطئ من العدوان، وهما من أقدم المواقع الأثرية، وعلى مر العصور تعرضت غزة للتدمير والغزو، ولكن لم تشهد أبداً من قبل حجم هذا الدمار الذى يعادل أكثر من قنبلة ذرية، هدم أكثر من ٤٥% من مبانى القطاع، كل ذلك يؤكد محاولات الاحتلال مسح غزة عن الخارطة، كما تمنوا يوماً أن يبتلعها البحر، لكن ظلت عصيةً عليهم، لتكتب دماء الشهداء من جديد تاريخ فلسطين الذين حاولوا طمسه لصالح الرواية الإسرائيلية واستكمالاً للاستعمار الذى يشمل تهويد التاريخ والثقافة والإرث الفلسطينى.