نجيب محفوظ «صاحب نوبل» الناجي من «سكين الإرهاب».. سامح مهاجميه وأهداهم كتبه

كتب: أحمد شعراني

نجيب محفوظ «صاحب نوبل» الناجي من «سكين الإرهاب».. سامح مهاجميه وأهداهم كتبه

نجيب محفوظ «صاحب نوبل» الناجي من «سكين الإرهاب».. سامح مهاجميه وأهداهم كتبه

في عام 1988 وتحديدًا يوم 13 أكتوبر، كانت العاصمة السويدية ستوكهولم، تستعد كعادتها كل عام، لإقامة حفل توزيع جوائز نوبل، التي كانت تحمل بين أسمائها، أول أديب عربي يحصل على الجائزة في الأدب منذ وقت تأسيسها، وهو نجيب محفوظ، ابن حي الجمالية في القاهرة، الذي رفض استلام الجائزة بنفسه، لكرهه الشديد لفكرة السفر من الأساس، فأرسل أحد الأصدقاء وابنتيه لاستلامها نيابة عنه.

حصول محفوظ، على أعلى جائزة تُمنح لعالم أو أديب، زاد من كراهية الجماعات الإرهابية التي كانت موجودة وقتها في مصر، ولجهلهم اعتقدوا أن حصوله على الجائزة، كان عن روايته «أولاد حارتنا»، التي فسروها بأنها تحمل دلالات دينية وتتناول الذات الإلهية والأنبياء، على الرغم من أن مؤسسة نوبل، أعلنت أنه قد حصل على الجائزة عن مجمل أعماله.

لماذا حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل؟

«إنجاز نجيب محفوظ العظيم والحاسم يكمن في إبداعه في مضمار الروايات والقصص القصيرة»، كانت تلك بداية كلمة مؤسسة نوبل، موضحة أسباب حصول ابن الجمالية الأديب، على جائزتها الشهيرة في فرع الأدب، مضيفة: «نتج عن إنتاجه ازدهار للرواية كنوع أدبي، كما أسهم في تطور اللغة الأدبية في الأوساط الثقافية في العالم الناطق بالعربية، لكن إنتاجه أوسع وأغنى بكثير ذلك، لأن أعماله تخاطبنا جميعا، كما أن إنتاج نجيب محفوظ أعطى دفعة كبرى للقصة كمذهب أدبي يتخذ من الحياة اليومية مادة له».

«اقتلوا نجيب محفوظ»، فتوى أصدرها مفتي وزعيم تنظيم الجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن، مطلع التسعينات، مبررًا تِلك الفتوى بأن محفوظ يهاجم الإسلام في كُتبة، لذلك في الذكرى السادسة لحصوله على جائزة نوبل وتحديدًا يوم 14 أكتوبر عام 1994، استطاع 2 من شباب الجماعة النيل منه وإصابته، في محاولة فاشلة لاغتياله.

اغتيال نجيب محفوظ.. صدمة الأديب

في الجهة المُقابلة لشاطئ النيل، الذي قيل أنه ينبع من السماء، كان يسكن نجيب محفوظ على كورنيش العجوزة، وبينما كان يسير الرجل العجوز صاحب الـ83 عامًا، من منزله بجوار أحد الأصدقاء لركوب السيارة، نسي نظارته فذهب صديقه للإتيان بها، حينها توقف شابين كانا على موتوسيكل، وتمكن أحدهم من غرس سكينا برقبته وشقها، وتركوه غارقًا في دمه بالشارع، لكن صديقه استطاع في أقل من 10 دقائق الذهاب به لمستشفى الشرطة التي كانت بجوار منزله.

5 ساعات قضاها نجيب محفوظ داخل العمليات، يحاول فيها الأطباء تضميد جراحه، التي تمكنت من قطع وتر شديد الخطورة في الرقبة وبعض الأعصاب، إلى أن انتهت العملية بالنجاح، وعاد بعدها الأديب الكبير للحياة.

«أكثر شعور بالهزيمة شعرت به»، كان هذا هو الشعور الملازم لآبن الجمالية بعد الحادث، ليس لشعوره بالألم الجسدي الذي نتج عن محاولة الاغتيال أو عدم تمكنه بعد ذلك من ممارسة أكثر هواية يحبها، وهو السير في ساعات الصباح الأولى، من العجوزة لميدان التحرير، لكن الهزيمة كانت في شعوره بعودة الجهل والإرهاب لوطنه، لذلك وأثناء محاكمة قاتليه، حسب ما قاله الكاتب أحمد مراد، في برنامج إذاعي، أن محفوظ أعطى لقاضي التحقيقات كرتونة بها عدد كبير من مؤلفاته، وطلب إهدائها للشابين ليقرأوها ويعلموا أنه لم يهاجم الإسلام ابدًا.

التحقيقات مع نجيب محفوظ.. مفارقة غريبة

أثناء التحقيقات مع محفوظ يقول القاضي والروائي أشرف العشماوي، أحد الوكلاء الذين كانوا مكلفين بالتحقيق في القضية، في منشور عبر صفحته على «فيسبوك»: «في اليوم المحدد ذهبت بصحبة محقق وزميل آخر، تولى رئيس النيابة مهمة، لسؤال محفوظ عن متهمين لم يرهم الأستاذ ولا يعرفهم ولا حتى يريد تذكر ملابسات الحادث برمته، وتفرغت أنا لمراقبته وتأمل تعبيرات وجهه، وما بين التأثر والانفعال والحزن والمرارة وعمق النظرة والقراءة لحادث رأى أنه بداية لإرهاب قادم لا نهاية قريبة له إذا ما خفتت شمس التنوير، وقد كان، قبل انصرافنا ظن نجيب محفوظ أنني رئيس المحققين، مع إنني كنت أصغرهم، ويبدو أن الأمر قد اختلط عليه، فسألني باهتمام: همّ ليه ضربوني يا حضرة الوكيل؟».

وأضاف العشماوي: «كنت على يقين من أنه يعرف إجابة سؤاله، وأن الأدباء والأصدقاء الذين التفوا حوله منذ اليوم الأول، قد أخبروه بكل التفاصيل، حتى رئيس النيابة قالها له في التحقيقات، ووقتها رفض الأستاذ بشدة أن تقرأ روايته من منظور ديني، لكنني لمحت بريقاً غريباً في عينيه كمن يريد أن يسمع أمراً مختلفاً، أو لا يريد أن يصدق ما قيل له».

وتابع القاضي الروائي: «أجبته بما اعتقدت أنه سيريحه، وقلت له أن من حاول قتله فعل ذلك لإصلاح المجتمع. فسألني بنفس الاهتمام: وما وجهة نظره في ذلك؟ قلت بتحفظ: لأنهم يرون أن المجتمع لن ينصلح حاله إلا بقتل الكفار».

ووبحسب العشماوي، عقب محفوظ على كلامه قائلا: «أنا أعلم أنهم لم يقرأوا الرواية، لكن أريد معرفة ما إذا كانوا قد قرأوا غيرها»، فتخوف العشماوي من إطلاعه على أنهم لا يعرفون القراءة حتى، لكن محفوظ لم ييأس وطلب واستأذن أن يهدي المتهمين بعض كتبه، وطلب من زوجته إحضار 3 روايات من منزله الملاصق للمستشفى، إحداها كانت «بداية ونهاية» والثانية «اللص والكلاب» والثالثة «الحرافيش».

والمفارقة أن الشاب الذي حاول قتل محفوظ، ظل على رأيه بأن فعلته هي الصواب، بينما كان تعليق محفوظ في التحقيقات: «أنا الحقيقة معرفش اللي ضربني، لكن أنا مسامحه على كل حال، ومعنديش حاجة أضيفها»، وحينما علم قاتله بالأمر قال: «لا يهمني فهو عدو الإسلام في نظري».


مواضيع متعلقة