مصير قاضى "تشويه القضاء" المحال لـ«التأديب والصلاحية»
مصير قاضى "تشويه القضاء" المحال لـ«التأديب والصلاحية»
تنشر «الوطن» نص المذكرة التى أعدها قاضى التحقيق مع المستشار أحمد منير الخطيب، رئيس محكمة باستئناف القاهرة، التى بمقتضاها تمت إحالته إلى الصلاحية والتأديب، بسبب «الإسراف الإعلامى وإجرائه مداخلات هاتفية بعدة برامج، عبر خلالها عن رفضه تدخل نادى القضاة فى اختيار وزير العدل»، وذلك بناء على بلاغ من المستشار أحمد الزند، رئيس النادى، الذى اعتبر تصريحات القاضى سباً وقذفاً، إضافة إلى بلاغ من مجلس القضاء الأعلى. وأوصت المذكرة التى أعدها المستشار محمد شيرين فهمى، قاضى التحقيق المنتدب من محكمة استئناف القاهرة، بإحالة المستشار «الخطيب»، القاضى بمحكمة استئناف القاهرة إلى مجلس التأديب والصلاحية، بعد إجراء التحقيق فى البلاغين رقمى 514، 507 لسنة 2014 صادرين من مجلس القضاء الأعلى، والمقيدين برقمى 5 و3 لسنة 2014 حصر قضاة تحقيق محكمة استئناف القاهرة، تلخص وقائع البلاغ رقم 514 لسنة 2014 صادر مجلس القضاء الأعلى والمقيد برقم 3 لسنة 2014 حصر قضاة تحقيق محكمة استئناف القاهرة.
وإنه قد صدر تعديل لقانون الإجراءات الجنائية بقرار بقانون رقم (138) لسنة 2014 الذى أضاف المادة (66) التى أوجبت إيجاز التحقيقات فى مدة لا تجاوز ستة أشهر من وقت مباشرة قاضى التحقيق، وأنه فى حالة وجود مقتضى وجب العرض على الجمعية العمومية أو من تفوضه فى إصدار قرار الندب لتجديده لمدة لا تجاوز ستة أشهر، وبالعرض على القاضى رئيس محكمة استئناف القاهرة -باعتباره مفوضاً من الجمعية العمومية للسادة قضاة المحكمة بتاريخ 25/9/2014- أصدر القرار رقم (10) لسنة 2015 بمد مدة الندب لإجراء التحقيقات فى البلاغين المشار إليهما.
وحيث إنه بعرض الأوراق على النيابة العامة إعمالاً لحكم المادة (153) من قانون الإجراءات الجنائية طلبت التصرف فى الأوراق على ضوء ما أسفرت عنه التحقيقات من وقائع وأدلة.
وحيث أذن لنا مجلس القضاء الأعلى بجلسته المعقودة بتاريخ 9/2/2015 بالتصرف فى الأوراق.
وحيث إنه بشأن ما نُسب للقاضى (أحمد منير الخطيب) فى بلاغ القاضى (أحمد على الزند)، فقد نصت المادة (302/1) من قانون العقوبات على أنه «يعد قاذفاً كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة (171) من هذا القانون أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أُسنِدت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه».
ويتضح من ذلك أن الركن المادى لجريمة القذف يتحقق بإسناده واقعة محدده من شأنها -لو صحت- عقاب من أُسنِدَت إليه أو احتقاره، ووسيلة ارتكاب الجريمة يتحقق بإحدى الطرق العلنية، ويقصد بالإسناد نسبة أمر أو واقعة إلى شخص معين بأى وسيلة من وسائل التعبير سواءً كانت تلك الوسيلة هى القول أو الكتابة أو مجرد الإشارة، ويستوى أن يكون التعبير بجملة واحدة أو بجزء من جملة أو بلفظ واحد، وسواء نسب القاذف الواقعة إلى المجنى عليه على سبيل القطع والتأكيد أو نسبها إليه على سبيل الظن والاحتمال، وأياً كان الأسلوب الذى صاغ به الجانى الوقائع التى ينسبها إلى المجنى عليه؛ فالقاعدة أنه لا عبرة بالأسلوب الذى تصاغ فيه عبارات القذف، فيستوى فى قيام الجريمة أن يكون الإسناد بأسلوب صريح أو ضمنى، وهو يتحقق سواء نسب القاذف الأمر الشائن للمقذوف سرداً بمعلوماته الخاصة أو بطريق الرواية عن الغير.
وجريمة القذف لا تقوم إلا إذا أمكن تحديد شخص المجنى عليه تحديداً كافياً، ولا يشترط أن يكون قد ذكره باسمه وحدد أوصافه كاملة، وإنما يكفى أن تكون عبارات القذف موجهة بصورة يسهل معها على فئة من الناس التعرف على شخص أو أشخاص من يعنيهم القاذف بعباراته، وأن تكون الوقائع التى ينسبها القاذف إلى المجنى عليه محددة، وأن يكون من شأنها -لو صدقت- عقاب المجنى عليه أو احتقاره، ولا يشترط أن يتم تحديد الواقعة بذكر كل التفاصيل المتعلقة بها، بل يكفى أن يكون هذا التحديد نسبياً أى متضمناً العناصر الأساسية التى يمكن عن طريقها استنباط واقعة محددة من صيغة الإسناد، ولقاضى الموضوع سلطة تقدير ما إذا كانت الواقعة المنسوبة إلى المجنى عليه قد حُدِدَت تحديداً كافياً بحيث تقوم به جريمة القذف أو أنها غير محددة ولا يتحقق بها جريمة، وللقاضى فى سبيل ذلك أن يسترشد بكافة الظروف المحيطة بنشاط الجانى وبصفة خاصة بالعلاقة بينه وبين المجنى عليه وبالدلالة العرفية للألفاظ التى استعملها فى الإسناد.
ولا يشترط أن يكون من شأن الواقعة محل القذف احتقار من أسندت إليه من كل أفراد المجتمع أو غالبيتهم، بل يكفى أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى مساس بكرامته والحط من قدره واعتباره عند مخالطيه ومن يعاشرهم فى الوسط الذى يعيش فيه، كما لا يشترط أن تكون كاذبة، فيستوى لقيام جريمة القذف أن تكون الواقعة المنسوبة صحيحة أو غير صحيحة، ويجب أن يكون الإسناد فى القذف علنياً سواء علنية القول أو الصياح، أو علنية الفعل أو الإيماء، أو علنية الكتابة وما يلحق بها.
والقذف جريمة عمدية، ولذلك لا بد لقيامها من توافر القصد الجنائى، والقصد المتطلب لقيام هذه الجريمة هو القصد العام الذى يتكون من علم الجانى بكافة عناصر الجريمة واتجاه إرادته للفعل وللنتيجة المترتبة عليه.
لما كان ذلك، وكانت العبارات التى ساقها القاضى المشكو فى حقه إنما تدل دلالة واضحة إلا أنه رمى بها إلى إسناد واقعة مهينة إلى القاضى الشاكى، وهى أنه تدخل وأعضاء مجلس إدارة نادى القضاة فى اختيار وزير العدل آنذاك، وأن له مصلحة فى ذلك حتى يضمن إلحاق أعضاء مجلس إدارة نادى القضاة بالمناصب القضائية بالوزارة؛ فقال حرفياً رداً على سؤال للمذيع: (ليه احتج نادى القضاة على المستشار محفوظ صابر وعلى المستشار حسن بسيونى؟) فأجابه القاضى المشكو فى حقه: (هذا الأمر أثار حفيظة القضاة لأن وزارة العدل كانت ملكاً لأعضاء مجلس إدارة نادى القضاة.. نادى القضاة كلنا نحترمه ونجله ولكن عندما يحتكر مجموعة من أعضاء مجلس نادى القضاة المشهد هذا أمر مرفوض، عندما يكون عدد كبير من مجلس أعضاء نادى القضاة والموالين له موجودين فى وزارة العدل معنى هذا أن الوزارة يتم اختطافها وهذا أمر مرفوض.. الوزارة ملك لجميع القضاة.. الوزارة تعبر عن مصالح القضاة لأن العدالة ملك لكل المصريين).
وحيث إن الجهر بهذا القول وإذاعته على هذا النحو تحقق به علم عدد كبير من أفراد المجتمع، إذ تم الجهر به علناً فى مداخلة هاتفية ببرنامج يذاع على قناة فضائية (برنامج العاشرة مساء المذاع على قناة دريم مساء يوم السبت الموافق 1/3/2014) بحيث استطاع سماعه كل من كان يشاهد ذلك البرنامج وهو ما يؤدى إلى المساس بشرف واعتبار الشاكى، ومن شأنها أن تؤدى إلى المساس بكرامته والحط من قدره واعتباره عند مخالطيه ومن يعاشرهم، وإيراد تلك العبارات بما اشتملت عليه تتضمن بذاتها الدليل على توافر القصد الجنائى.
وحيث إنه فى مجال ملاءمة تحريك الدعوى الجنائية فإننا نرى أنه من الأجدى تقديم القاضى المشكو فى حقه إلى المحاكمة التأديبية حرصاً على مستقبله.
وحيث إنه بشأن شكوى اللجنة الإعلامية لمحكمة النقض حول الإسراف الإعلامى للقاضى المشكو فى حقه، فإنه لما كان من المقرر أن القضاء مقام عالٍ ومنصب نبوى، بل هو حلة من ذهب يراها الناس براقة تسر الناظرين يتطلعون إليها بيد أنها تثقل كاهل صاحبها لا يطيقها إلا أولو العزم لما يتحمله من أعباء وقيود لا يتحملها سواهم ومن ذلك فإن أغلبية الفقهاء ذهبوا إلى أن القاضى يجب أن يكون قليل التبسم، طويل الصمت، يظهر أمام الناس بالجد والوقار، وفى سبيل حفظ كرامة القاضى وصيانة هيبته التى هى عدته فى أداء رسالته فإن على القاضى أن ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات، والابتعاد قدر الطاقة عن أن يكون طرفاً فى خصومة، أو محلاً للشكاية والتقولات، بل يلزم عفة اللسان وحسن الخلق، فيراه الناس على نحو ما يرى العابد فى محرابه؛ وقوراً، مهيباً، زاهداً، مترفعاً عن الصغائر والبهتان. فيمتنع عليه إبداء الرأى فى مواطن الخصومات لما قد يكون عليه أمره إذا ما أوكل إليه القضاء فى أمر منها، وليس فى ذلك تعارض مع ما للقاضى -كمواطن- من حق فى حرية الفكر والتعبير ذلك أن هذا الحق بحسبانه يحمى مصلحة فردية للقاضى مقيداً بأن يكون فى الحدود التى لا تتعارض مع مقتضيات وظيفة القاضى باعتبارها مصلحة عامة وما تستوجبه من الحيدة والبعد عن مواطن الشبهات على نحو يحفظ كرامته هو أمر يمكن فهمه فى أن القاضى وإن كان له الحق فى التعبير عن رأيه فى قضية عامة فإن شروط ذلك ألا يكون من شأن هذا الرأى -من حيث محله أو طريقة عرضه- ما يجلب للقاضى الخصومات ويدفع به إلى منازعات تزعزع ما له من هيبة ومكانة، كما يجب فى كل الأحوال ألا يكون فى تعبير القاضى عن رأيه ما يظهر منه أنه متحيز أو منتمٍ أو داعٍ بأى صورة لشخص أو جهة لما فى ذلك من إهدار لصفتى الحيدة والاستقلال اللتين يجب أن يتصف بهما القاضى.
وحيث إنه بغض النظر عما يشكله الحوار الذى أجراه القاضى المشكو فى حقه من جريمة جنائية فإنه يكشف عن قيمه وأفكاره ومدى توافقها مع قيم وتقاليد العمل بالقضاء لما يتولد عنها من انطباع يتناقله الناس بطريق التواتر فى محيط اجتماعى معين يستقر فى وجدانهم كحقيقة راسخة، فقد اندفع إلى الحديث فيما يحق له أن يقوله حيناً وما لا يحق له أن يقوله أحياناً، فهو قد هاجم رئيس وأعضاء نادى القضاة وهو أمر لا يليق بمقام القاضى وما يفترض له من هيبة وعلو، وعلى الرغم من سابق التحقيق معه بسبب الإسراف الإعلامى والحديث فى أمور سياسية وإحالته إلى مجلس التأديب بهيئة عدم الصلاحية فإنه لم ينصع وأطلق لنفسه العنان فى التعليق على بعض الأمور التى لا تخلو من جانب سياسى، ما يكشف عن استهانته بشرف ومنزلة القضاء الذى يشرف بالانتماء إليه مما يعد إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته ويكشف عن فقده أسباب الصلاحية لولاية القضاء.
لما كان ذلك وكانت المادة (111) من قانون السلطة القضائية تنص على أنه «إذا ظهر فى أى وقت أن القاضى فقد أسباب الصلاحية لولاية القضاء، لغير الأسباب الصحية يرفع طلب الإحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية من وزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب رئيس المحكمة إلى المجلس المشار إليه فى المادة 98».
ومن ثم فإنه يتعين إرسال الأوراق إلى القاضى رئيس محكمة استئناف القاهرة التى يتبعها القاضى أحمد منير عبدالرحمن الخطيب للتفضل بإرسالها إلى مجلس التأديب بهيئة عدم الصلاحية المنصوص عليه بالمادة (98) من قانون السلطة القضائية.