كيف تؤثر أحداث غزة على الانتخابات الرئاسية في مصر؟

أُغلقت صناديق الاقتراع منذ أيام بسفارات وقنصليات مصر حول العالم، كي تفتحَ أبوابها تارةً أخرى هذا الأسبوع أمام المواطنين بالقُطر المصري، لاستكمال خارطة طريق ذلك الاستحقاق الوطني الذي يتمُ في ظِلِ ظَرفٍ إقليميٍ بالغ التعقيد.

وقد علمتنا أدبيات السياسة وبحورها، أن الشأن المحلي لا يمكن أن ينفصلَ عن السياقِ الإقليمي المحيط، فهو يؤثر فيه ويتأثر به، لاسيما إذا كان هذا السياقُ مُحتدماً عاصفاً على النحو الذي تشهده الدائرة العربية حالياً، مع بلوغ الصراع في الداخل الفلسطيني مدى يفرضُ تداعياتٍ إنسانيةٍ خطيرة، ويدفعُ بمنحى القضية الفلسطينية نحو مُنعطفٍ كارثي، دون أية مؤشرات حالية في الأفق لقُرب التسوية.

والرصدُ لمُحددات تأثر الداخل المصري بهذا الظرف الإقليمي المشتعل في غضون إجراء الانتخابات الرئاسية الراهنة، إنما يكشفُ ظواهر تستحقُ الاقتراب، على رأسها تكاتُف الجبهة الداخلية، حيث عززت الأحداث الدامية في قطاع غزة شُعوراً عاماً لدى المصريين بأن الأمن أولُ الأولويات بل يسبق التنمية، وهذا الشعورُ الجَمعي السائد يقترنُ دوماً بمناخ الأزمات، حيث يتزايد على إثر أصوات ناقوس الخطر تماسك الشعب المصري، الأمرُ الذي يجعله الآن مُستعداً للوقوف داعماً للقيادةٍ السياسيةِ التي حَققت له مُعادلة الأمنِ والتنمية، كي تُواصل دورها التاريخي.

ثاني تلك الظواهر، أنه كلما سعى المشككون في التقليل من تأثير مصر خارج حدودها، جاء حدثٌ جلل ليُعيد التأكيد على ثقل مكانة الدولة المصرية ودورها، والأزمة في قطاع غزة بُرهانٌ جديد، فمنذ اندلاعها واتصالُ قادةُ العالمِ لا ينقطع مع القاهرة لفهم أبعادِ الموقف وتأثيراته، والتشاور لإيجاد حلٍ سريعٍ له، كما خاضت مصر معركتين: دبلوماسية لحشد موقف دولي داعم لتسوية الصراع ووقف النزيف، وإنسانية نجحت في ضمان تيسير نفاذ مُساعدات الإغاثة إلى قطاع غزة، وهذه النتائج تُضافُ لرصيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ركيزة هذا الدور ومحور التأثير.

وإذا كانت الانتخابات الرئاسية عملية شديدة التأثر بحالة الرضاء العام، فإن بمصر ظاهرة ثالثة تستحق الاقتراب، ففي الوقت الذي تعكسُ فيه المؤشرات الاقتصادية معدل تضخمٍ يؤثرُ على أسعارِ السلع، نرى المُفارقة في إقبال المصريين بمختلف شرائحهم على المشاركة في جهود الإغاثة ودعم القوافل الإنسانية، في مساندة لموقف الدولة وقيادتها، وهي حالة ترتبط أيضاً بنسيج الشخصية المصرية التي طالما انتفضت لنجدة الضعيف، وتقاسمت قوت يومها مع المُحتاج، برغم قسوة الظروف حيناً، بما يجعلنا شعباً غنياً بضميره الإنساني، نفخرُ بالانتماء إليه.

وأخيراً.. قال المصريون في الخارج كلمتهم، وجاء الآن دورُ أبناء الداخل للإدلاء بصوتهم في صناديق انتخابية تعرفُ لأولِ مرة ترتيباتٍ داعمة لذوي الهمم، تتمثلُ في استحداث بطاقة اقتراع بطريقة "برايل"، لإعمال الحق في التعبير عن رأيهم دون وسيط، وهو شاهدٌ جديد على أن الدولة المصرية تُقدر كُلَ صوتٍ لأبنائها، وتعتبره أمانة ينبغي صونها، وشهادةُ حقٍ لا يجب أن يكتُمُها كُلُ ذي قلبٍ سليم.

حفظ الله مصر،،،