محمد مصطفى أبوشامة يكتب: «جين» الحضارة.. يتجلى في السفارة

كتب: محمد مصطفى أبوشامة

محمد مصطفى أبوشامة يكتب: «جين» الحضارة.. يتجلى في السفارة

محمد مصطفى أبوشامة يكتب: «جين» الحضارة.. يتجلى في السفارة

الوطن فى قلوب عشاقه مهما طال السفر، حقيقة أكّدها الإقبال الكبير على التصويت فى الانتخابات الرئاسية 2024، فقد خرج المصريون فى 121 دولة حول العالم، قطعوا المسافات، وتحمّلوا المشقة والنفقات، كى يصلوا إلى 137 «مقراً انتخابياً» داخل السفارات والقنصليات المصرية، خرجوا تدفعهم مشاعرهم الوطنية ليشيدوا جسور الانتماء للوطن الأم ويؤدوا دورهم فى صياغة مستقبل بلدهم واختيار رئيسه القادم، مؤكدين أن «جين» الحضارة المصرى لا يفنى مهما طالت سنوات الغربة.

والانتخابات الرئاسية 2024 هى أيام مشهودة فى تاريخ مصر المعاصر، لأنها تمثل الضلع المتمم الذى يتوج مسيرة الإصلاح السياسى، أبرز تحديات التنمية السياسية، التى أنجزت مصر فيها شوطاً كبيراً خلال العامين الأخيرين، ولعل ما جرى فى جلسات «الحوار الوطنى» وأروقته عجّل بالنتائج الإيجابية، وحقق طفرة قوية أضفت حيوية على المشهد السياسى، يؤسس عليها فيما هو قادم.

أجادت الدولة المصرية فى الإعداد لهذه الانتخابات الهامة، والتى عزز أهميتها ما يجرى على حدودنا الشرقية فى قطاع غزة، وما تطلبه الأمر من اصطفاف وطنى واحتشاد إنسانى خلف القيادة السياسية للحفاظ على أمن مصر القومى ونصرة الأشقاء فى فلسطين، فى مسارين لا يتقاطعان ولا يؤثر أى منهما على الداخل المصرى وترتيب أجندة الأولويات الوطنية وفى مقدمتها الانتخابات.

لقد انطلق ماراثون «الانتخابات الرئاسية 2024»، والجميع يدرك أنها التحدى السياسى الأهم فى مسار مصر نحو ديمقراطية كاملة غير منقوصة، لهذا تعاملت الحكومة المصرية وأجهزتها التنفيذية بشفافية ونزاهة حتى اللحظة لتحقيق المنافسة الشريفة فى الانتخابات، فيما قامت القوى السياسية من أحزاب وتجمعات فاعلة بأداء ما عليها، سواء بتقديم مرشحين من العيار الثقيل ارتقوا لقيمة المنصب وأهميته، وتنظيم فعاليات سياسية للدعاية لكل مرشح، سادها الود والاحترام، وبقى الضلع الثالث والذى تقع مسئوليته على المصريين أنفسهم، بالمشاركة الإيجابية فى التصويت كى يكتمل البناء الديمقراطى للنظام السياسى فى الجمهورية الجديدة، وهو ما ظهرت بشائره وتجلت فى لجان الخارج، والتى تمنحنا ثقة وتفاؤلاً فى إقبال الناخبين داخل جمهورية مصر العربية على التصويت.

والمصريون بالخارج هم قطاع حيوى ومؤثر ضمن النسيج الوطنى المصرى، وإن كان حقهم فى التصويت قد مُنح لهم بحكم قضائى عام 2011، فإن حقوقهم فى الوطن قاد عادت لهم بعودة وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين للخارج عام 2015، والتى لم تكن عودة شكلية، فلم يكن أداؤها بيروقراطياً، كما يوصف أحياناً بعض الأداء الحكومى فى وزارات أخرى، فكانت وزارة عصرية جداً، يشع من داخلها روح جديدة فى العمل الحكومى، وكان اختيار الوزيرتين (السفيرتين) نبيلة مكرم ثم سها جندى موفقاً، فقد منحتا العمل روحاً مختلفة، فانطلقت المبادرات وتعددت الفعاليات، والتى كان أبرزها مؤتمر المصريين بالخارج الذى عُقدت نسخته الرابعة فى يوليو الماضى بحضور رئيس الحكومة.

منحت الوزارة الثقة للمصريين بالخارج ودفعتهم لتقديم أفضل ما لديهم لخدمة وطنهم، ويُعزى نجاح الوزارة فى دورها إلى اهتمام ودعم الرئيس، وهو ما أسس لتشييد جسور متينة بين مصر وأبنائها فى الخارج، تجلى عطاؤهم واضحاً فى المشاركة المدهشة فى التصويت لاختيار رئيس مصر القادم، والتى أظهرت المؤشرات الأولية أنها ستتفوق على سابقتها من مشاركات أدلى فيها مصريو الخارج بأصواتهم سواء على مستوى الرئاسة أو استحقاقات سياسية أخرى.

وقد تباينت أعداد المصريين بالخارج ما بين 14 مليوناً، وهو الرقم الذى أعلنته وزيرة الهجرة مؤخراً، وما بين رقم سابق يرجع لعام 2021 صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء يقدرهم بحوالى 9 ملايين مواطن يرتكز 70% منهم فى الدول العربية، وتتصدر السعودية القائمة بنحو 3 ملايين مصرى.

فيما لم يتم الإعلان رسمياً عن عدد من يحق لهم التصويت من المصريين بالخارج، بينما أكد رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات المستشار وليد حمزة أن قرابة 65 مليون مواطن مصرى يحق لهم التصويت فى الانتخابات الرئاسية الجارية، وجدير بالذكر أن آخر انتخابات رئاسية عُقدت عام 2018، شارك فيها 24.3 مليون ناخب من إجمالى 59.1 مليون مواطن لهم حق التصويت بنسبة مشاركة بلغت 41.05٪.

وقد أشارت بيانات وثّقها تقرير سابق لـ«ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان»، أن عدد المصوّتين فى الانتخابات الرئاسية عام 2012 بلغ نحو 314 ألفاً، ليرتفع فى 2014 إلى أكثر من 318 ألفاً، وتراجع فى انتخابات 2018 إلى أكثر من 157 ألف صوت فقط، وذلك بحسب ما نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، وهى أرقام ستختلف كثيراً هذه المرة بفضل جهد متميز فى تذليل عقبات التصويت، واهتمام صادق بتنمية علاقة المصريين بوطنهم، ليبقى كما عهدنا «الكنز اللى اسمه المصريين»، ثروة الوطن فى الخارج، وفى الداخل.


مواضيع متعلقة