أصناف المتعاملين مع حرب غزة
يمكن القول إن حرب الإبادة الدائرة حالياً من جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة، أفرزت 4 تيارات من التفكير:
التيار الأول: تيار الحماس والعنترية؛ وهو التيار الشعبوى الذى يطالب بدخول الدول العربية -وعلى رأسها مصر- فى حرب مع إسرائيل، وهو لا يعرف شيئاً عن كيفية اتخاذ قرارات الحرب، ولا ضريبة الحرب، ولا آثار الحرب، ولا فائدة الحرب، إنه تيار تحركه عاطفة حماسية مندفعة، وهؤلاء معذورون فى تفكيرهم العشوائى، لأن ما يرونه من دماء الأطفال والنساء حرك حميتهم، لكنها حمية حماسية انفعالية.
الثانى: تيار الاستغلال والتربص؛ وهو تيار استغل خصومته مع الأنظمة التى يختلف معها، فوجد الحرب فى غزة فرصة لتشويه هذه الأنظمة، وتصفية حساباته، حتى إن بعضهم طالب باستغلال المظاهرات التى قامت فى مصر لأجل غزة ودعم الموقف المصرى، طالب بأن تكون ضد الرئيس المصرى، وهذه خيانة وحماقة، فعلتها جماعة الإخوان.
الثالث: تيار العقلانية الوطنية الصادقة؛ وهو التيار الذى يتعامل بعقلانية وواقعية وفق السبل المتاحة، ويقف مع المقاومة الفلسطينية ضد العدو المحتل، دون حماس وعنترية أو استغلال رخيص، وقدم التبرعات والإغاثة، وندد بالعدو، ودعم المقاومة، ورأى أن ما يقدمه العالم العربى والإسلامى للقضية دون المستوى المطلوب، وطالب الحكومات بما يمكن تنفيذه، وأجّل نقده للمقاومة، لأن وقت الحرب وقت تضافر ووحدة ودعم، لا وقت عتاب ونقد.
الرابع: تيار الصهيونية العربى؛ وقلت فى أحد التحقيقات إنه أقل التيارات عدداً، وهو تيار يرى أمامه المجازر اليومية، فيتركها أو يدينها ذراً للرماد، وما زال مشغولاً بالانتماء الأيديولوجى لحماس، وأنها تنفذ المشروع الإيرانى، ويزعم أن الحكمة تقتضى مراعاة موازين القوى، وأن قيادات حماس صدَّرت المعركة للشعب وهربت قيادتها، وهذه أصوات الخزى والانهزامية والخيانة، هى أصوات بعيدة عن الحقائق، وأمانة التحليل السياسى الصادق، وتقرير الواقع.
ونلاحظ أن التيار الرابع -بقصد أو بدون قصد- اتخذ مصطلحات مطاطة فى التعامل مع حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل، مثل: تصعيد فى غزة، والتقاتل بين إسرائيل وحماس، والحقيقة هى: (حربُ إبادةٍ إجرامية يقوم بها العدو المستعمر على أهل غزة بهدف تصفية القضية الفلسطينية)، ومصطلح (العدو المحتل المستعمر) ورد عدة مرات فى البيان الختامى لقمة الرياض، وهنا نشير إلى أن قناة (القاهرة الإخبارية) نجحت فى اختيار عنوان يشعر بالتضامن مع القضية: (من غزة.. هنا القاهرة).
ثمة نقطتان ينبغى التنبيه عليهما فى هذا السياق:
1- أن التدافع البشرى يخضع حتماً لموازين القوى، لكن عندما يقف أمامك العدو ويصوب فوهة بندقيته نحو المقدسات والأطفال والنساء والمستشفيات، فإن الحديث هنا يجب أن يكون عن التضحية والفداء والمقاومة، وأى حديث عن مراعاة موازين القوى فى هذا التوقيت، هو حديث يخدم الاحتلال، ويشيع الانهزامية، حتى وإن سلمت المقاصد والنيات.
2- أن اعتقاد المقاومة بأنها الطائفة المنصورة، اعتقاد لا مانع منه، ويمكن تدعيمه فى هذه الحرب الإجرامية، وكل طائفة استولى العدو على أرضها وعمل على تهجير أهاليهم، وحرق مستشفياتهم، وأباد أطفالهم ونساءهم، وفجعهم فى أرضهم ومقدساتهم وأعراضهم، فقاموا بمقاومته؛ يصدُق عليهم أنهم المرابطون، والطائفة المنصورة، ولو فرضنا أن هذه الأوصاف خاطئة -مع أنها صحيحة- فيمكن مناقشتها وتفنيدها فى أوقات الرخاء والاستقلال، أما فى أوقات القتل والقصف والإبادة والتهجير ومنع الدواء والطعام والوقود فيمكن اعتقاد كل ما يقوِّى العزيمة، ويصد العدو، ويرفع المعنويات.