«أم نضال» تتحدى الاحتلال لانتشال جثة ابنها: «اتحللت وعرفته من بنطلونه وهاتفه»
أم نضال
النضال لا يتلخص فى حمل السلاح وتصويبه باتجاه العدو المحتل فقط، لكنه يمتد ويتواصل ويتكامل مع أسمى معانى المقاومة وإثبات الحق فى الأرض بالنسبة للسيدات الغزاويات، اللاتى يعتبرن إنقاذ المصابين وانتشال الشهداء بين زخات الرصاص من أسمى معانى المقاومة، وهو ما جسدته السيدة السبعينية أم نضال، إحدى سكان مخيم جباليا، الذى شهد 3 مجازر أودت بحياة أكثر من 1000 شهيد ومئات المصابين والمفقودين تحت الركام، جراء القصف المتواصل الذى تشنه طائرات الاحتلال الإسرائيلى.
بين شظايا الصواريخ المحملة بأطنان المتفجرات وتحت حصار الدبابات التى طوقت أطراف المخيم المنكوب، خاضت «أم نضال» تجربة الموت فى سبيل العثور على جثة ابنها العشرينى «فايق»، الذى ارتقى فى المجزرة الأولى ضد سكان جباليا، وهرولت السيدة رفقة ابنها الأكبر «نضال» نحو مجمع الشفاء الطبى بعد أن بُترت قدمه جرّاء الغارة الإسرائيلية على منزلهم، إلاّ أنّ الأم صاحبة الـ67 عاماً، لم يغمض لها جفن منذ ترك جثمان ابنها دون انتشاله، لتقرر بعد 10 أيام من القصف العودة إلى أطلال مسكنها والبحث عن الجثة واصطحابها معها حيث مستشفى الشفاء لتكفينه ودفنه.
وقالت «أم نضال» لـ«الوطن»: «الكل حذرنى من العودة للمخيم بس كأم ما قدرت أترك ابنى فى وسط الشارع للكلاب تنهش جسده، واتوضيت وصليت وقلت يا رب يا أروح أجيب ابنى يا إما استشهد جنبه»، وشكّل القصف العنيف والمجازر المروعة والمتكررة التى شهدها المخيم عائقاً أمام العثور على جثمان الشهيد.
لم يكن لدى الأم المكلومة أمل فى البقاء على قيد الحياة بعد دخولها للمخيم، حيث حملت معها كفنين وبطانية ليتم وضع جثتها رفقة ابنها حال استهدفتها دبابات الاحتلال الإسرائيلى، وأضافت: «رُحت سيراً على الأقدام من مستشفى الشفاء لحد مكان ابنى، ولما قربت على البيت اللى فى أول جباليا صرت أمشى بهدوء وأتخفى بين الركام والمنازل المهدمة ولقيت ابنى فى وسط الشارع قريب من الجنود اليهود».
تسلحت «أم نضال» بالشجاعة والإيمان قبل أن تعبر الطريق وتقوم بسحب ابنها على مرأى من الجنود الذين هددوها بالقتل حال استمرت فى محاولات انتشاله، وتابعت: «شُفت اليهود طالعين من الدبابة وبيطلعوا فيا بنظرات وكلمات تهديد بس ماهمنيش وقلت يا آخد ابنى يا أموت جنبه، وكان رأسه مهشم وجثته بدأت تتحلل وعرفته من جواله وبنطلونه اللى اشتريته ليه قبل الحرب وقال لى ياما هلبسه علشان لو استشهدت وخلصت الأكفان أتدفن بملابسى الجديدة. فى هذه اللحظة ما همنى إيش هيعملوا ونطقت الشهادتين ونجحت فى سحب الجثة وغطيته بالكفن الأبيض ولفيته بالبطانية وحملته على ظهرى وسرت به ما يقرب من ساعة وصولاً إلى مجمع الشفاء، وهناك مئات من الشهداء لا يزالون تحت أنقاض المخيم لأنى شُفت جثث كتير متحللة، والمشهد صعب جداً، وفيه جثامين كتير مرمية فى الشوارع والغربان ملمومة فوقها».