لم ننسَ فلسطين
«جيلكم أنانى لا يفكر سوى فى نفسه»
«جيلكم يغيب عن قاموسه معنى كلمة المسئولية»
«جيلكم مشغول بالمحتوى الفارغ على السوشيال ميديا والترفيه ونسى تاريخ المنطقة العربية والقضية الفلسطينية».
كلمات لطالما رددها بعض الأجيال الأكبر سناً كاشفة عن نظرتهم القاصرة لحال الأجيال الصغيرة الشابة المشغولة دوماً بالتكنولوجيا، تظهر بشكل عابر فى أحاديثهم اليومية.
لا.. ليست بهم أنانية
من رحم الألم يولد الأمل، هو المعنى الخفى الذى يعرضه لنا الهجوم الإسرائيلى على غزة الملىء بكثير من القسوة والعنجهية، فهناك مشهد آخر ظهر فى الأفق وهو تكاتف المصريين جميعاً وتوحيد صفوفهم عن بكرة أبيهم مرة أخرى لدعم القضية الفلسطينية، فالجميع ترك معاركه وقضاياه الفرعية التى كان مشغولاً بها، ملبياً نداء أقوى الآن هو نداء الواجب، ونداء الإنسانية، ونداء العقيدة، هو دعم الفلسطينيين الذين يقتلون بدم بارد وهم عزل كما حدث فى مجزرة قصف مستشفى «الأهلى العربى المعمدانى» فى غزة.
فى مشهد تكاتف المصريين كان القائد الحقيقى هو الأجيال الصغيرة التى بانت معرفتها واضحة بالقضية الفلسطينية وأحداثها وحروبها وتاريخها، تلك الأجيال التى صارت تناقش أهمية دعم القضية بوسائل حديثة تصل لمختلف أنحاء العالم لكى تُحدث التأثير المطلوب، وعدم الاكتفاء بمخاطبة أنفسنا كما كان يحدث قديماً، تلك الأجيال التى اعتبرت دعمها للقضية ليس هدفه فقط حماية الأمن القومى للبلاد وحدودها، بل هو دعم لمعنى وقيمة الإنسانية.
تلك الأجيال الصغيرة لم تكتف بكل ذلك بل بدأوا التفكير أيضاً فى تقديم تعريف بالقضية الفلسطينية للأجيال الأصغر من الأطفال من خلال جلسات حكى وفيديوهات كارتونية جذابة على الإنترنت وكتب إلكترونية مجانية مليئة بكل عناصر التشويق، تلائم أعمار الأطفال وتسكّن قلوبهم البريئة فتكبر معهم ثم يتولون هم دعم القضية بعد حين.
وكان الظهور الساطع لتلك الأجيال الصغيرة، فى لحظة وقوف الشباب على الشاحنات التى تقدم المساعدات الإنسانية لأهالى فلسطين قبل المرور بمعبر رفح، وهم يرفعون العلم الفلسطينى بجانب العلم المصرى، حيث بلغ حجم المساعدات التى قدمتها مصر حتى وقت كتابة هذا المقال 2000 طن من المساعدات الغذائية والطبية -بحسب برنامج الأغذية العالمى واليونيسيف- وهو أكبر رقم للمساعدات مقارنة بالمساعدات الإغاثية التى قدمتها الدول الأخرى.
حس المسئولية
أما عن قيمة المسئولية فى نفوس تلك الأجيال الصغيرة، فحدث ولا حرج كان ظهورها واضحاً فى دعمهم لأشقائهم الفلسطينيين حتى لو كان على حساب مصلحتهم الشخصية، وتجلى ذلك فى فعل المقاطعة الذى مارسه المواطن العادى من ترك وظائف فى أماكن رأى أنها قد تدعم الكيان المحتل، أو عدم شراء منتجات بعينها وإيجاد بدائل وطنية، بينما كانت وسيلة الشباب من مشاهير الفن والغناء هى نشر الوعى بشأن الانتهاكات والمجازر التى تمارسها قوات الاحتلال يومياً ضد العزل بكل اللغات، حتى تصل إلى مختلف أنحاء العالم، وإن تعارض ذلك مع عقودهم المالية وأعمالهم.
وأخيراً.. هل حقاً أن الأجيال الصغيرة لا تعرف شيئاً عن القضية الفلسطينية أو نسيتها؟!
أخيراً جاءت الحرب على غزة من قبل الاحتلال الغاشم كاشفة لزيف تلك الكلمات والأوصاف بل نسفتها نسفاً، فالتضامن الشعبى من الأجيال الصغيرة التى لم تنس القضية الفلسطينية كان قوياً، وانطلقوا يقدمون الدعم بشتى الطرق، هناك من سعى للتبرع بأشكاله المختلفة، وهناك من خصص وقته لنشر الوعى بالقضية، هناك من انطلق يجمع المساعدات للشعب الفلسطينى المنكوب، وهناك من استخدم التكنولوجيا فى مقاومة تزييف الحقائق التى تمارسها «السوشيال ميديا»، وابتكر برامج وتطبيقات تقاوم خوارزمياته. وكما قال محمود درويش فى قصيدة الأرض:
«خمسُ بناتٍ يخبّئنَ حقلاً من القمح تحت الضفيرة...
يقرأن مطلع أنشودةٍ عن دوالى الخليل، ويكتبن
خمس رسائل:
تحيا بلادى
من الصّفْرِ حتّى الجليل
ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.
هذا الترابُ ترابى
وهذا السحابُ سحابى
أنا العاشقُ الأبدىُّ
أنا الأرضُ».