الصدمة والترويع في غزة
تنتظر غزة اجتياحا إسرائيليا بجيش تم جمعه بصورة غير مسبوقة . جيش لم يسبق أن استعد وتجهز بهذا الشكل من قبل . تهدف إسرائيل إلى تحطيم معنويات وإرادة المقاومة الفلسطينية قبل بدء الاجتياح . لكن المقاومة عندما خططت لطوفان الأقصى كانت تدرك حجم المخاطر ورد الفعل الصهيوني خاصة أن الطوفان كان مغرقا لإسرائيل في كل النواحي.
ضبر الطوافان الاستخبارات وجهاز الأمن والجيش الإسرائيلي وصار الجميع ينتظر انتهاء هذه الحرب لتبادل الاتهامات بالتقصير .تعددت آراء الخبراء العسكريين في العالم بشأن خطة إسرائيل لاجتياح غزة . الأمر الواضح أن إسرائيل لديها قوات عسكرية ضخمة واستدعت الاحتياطي وكأنها تواجه حربا نظامية كبيرة خوفا من تكرار الهزيمة على يد المقاومة.
حشدت إسرائيل هذه القوات والأسلحة لكي تطبق عقيدة الصدمة والترويع العسكرية التي تشل العدو – المقاومة الفلسطينية _ وترهب المدنيين رهبة يفروا بعدها ولا يعودوا قادرين على المقاومة أو مساندة جيشهم المقاوم .كان التتار المثال الأشهر في استخدام ذلك الأسلوب وتصادف أن جيشوهم التي أطلق عليها ثروت عكاشة " إعصار من الشرق " نظرا لاجتياحها مساحات واسعة دمرت خلالها دولا كبيرة وأسقطت الخلافة العباسية بهذا الأسلوب أو العقيدة التي ابتكرها جنكيز خان مؤسس الإمبراطورية التتارية _ وهي ليست إمبراطورية حقيقية بالمعنى العلمي _ .
كان التتار يبثون الرعب في قلوب خصومهم والشعوب التي يرغبون في احتلال بلادها حتى قبل وصولهم إليها . كانت قواتهم المدربة جيدا تجرف في طريقها الأخضر واليابس تاركين بلادهم الأصلية في شرق آسيا متنقلين حتى وصلوا إلى البلاد الإسلامية وإلى أوروبا في جزيرة القرم.
كان أسلوبهم الحرب وحربهم النفسية ضد العدو أكبر سلاح ساعدهم على اتساع المساحة الجغرافية التي سيطروا عليها.
في عام 1996 دور باحثان عسكريان أمريكيان هما هارلان أولمان وجيمس واديه نظرية الصدمة والترويع الحديثة باعتبارها عقيدة عسكرية تعتمد على استخدام القوة الساحقة والسيطرة الكاملة على الميدان والعرض المرعب للقوة لشل حركة العدو وتدمير إرادته للقتال . وقد تم اعتماد هذا البحث في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية باعتباره وثيقة أساسية لتأسيس مذهبية عسكرية جديدة.
وقد استخدمت أمريكا في عام 2003 هذا الأسلوب في الحرب على العراق وهو ما تسبب في شل حركة الجيش العراقي والمقاومة المدنية ودخل الأمريكان يلاد الرافدين وكأنهم في نزهة بالمقارنة بحجم وقوة الجيش العراقي وتسليحه المتقدم خاصة بعدما طور دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي وقتها هذه المذهبية بالتركيز على استخدام سلاح الطيران كعنصر أساسي للتنفيذ الميداني للعمليات.
في الحرب ضد غزة سترتكب إسرائيل أبشع الجرائم والوسائل لتحقيق أهدافها وتبيض وجهها واسترداد كرامتها التي مرغتها المقاومة الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى . فمن المتوقع بالطبع ارتكاب كل ما يمكن من أفعال خسيسة لإظهار القوة , لكن في كل الأحوال لقد انتصرت المقاومة الفلسطينية في غزة وظهر للعالم أن الفلسطينيين لم يموتوا وأنهم يقاوموا كما لم يفعلوا من قبل فلم يحدث أن تم أسر هذا العدد من الصهاينة من قبل أو قتل ذلك الكم من الصهاينة أو اختراق كل ما هو في غاية السرية بما في ذلك ملفات الاستخبارات وخطط العدو في التحرك ضد المقاومة وأسماء العملاء ولذل فإن إسرائيل لديها ضبابية في التعامل مع الوضع الحالي واخرت اجتياحها غزة لأسبوعين وربما سيكون أكثر من ذلك بسبب ما فعلته المقاومة الفلسطينية .إن ما حدث في الطوفان مهم جدا حتى لو حطمت إسرائيل بيوت غزة وقتلت من أهلها الكثير , لقد اكد الطوفان للأمة العربية والإسلامية وللشعب الفلسطيني ذاته أنهم شعب قادر على هزيمة إسرائيل وأن الفدائي المقاوم يمكنه دحر الصهيوني الغادر الذي يحتمي بالغرب دائما وأن الكيان الصهيوني بنى لنفسه أسوارا وحصونا لكي يحتمي بها من حجارة أطفال غزة وصواريخ المقاومة.
إن النصر الفلسطيني خطوة مهمة على طريق انخراط المزيد من الشباب في المقاومة والتدريب على حمل السلاح , فالشعب الفلسطيني تتزايد أعداده وهم مستقرون في وطنهم بينما الإسرائيليون يتناقص عددهم ويغادر منهم الكثير..
ما أن الطوفان أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب الفلسطيني يرفض موت القضية وضياع الوطن والموات السياسي والعسكري للسلطة الفلسطينية التي تهدف إلى تعليب المقاومة ووضعها في صناديق مصفدة.
إن نجاح الطوفان أكد إلى أقصى درجة أن المقاومة تملك من التخطيط العسكري الممنهج والآليات المتقدمة ما يجعلها قادرة على دحر الاجتياح الإسرائيلي وتكبيده أكبر الخسائر , فالمقاومة كانت ومازالت تدرك ما أقدمت عليه وما حققته من نصر ورد الفعل الإسرائيلي على ما قامت به وهي تعمل حساب ذلك وتتوقعه ولذلك ستواجهه وتتعامل معه .في انتظار تحرك الضفة الغربية وحزب الله في الشمال .