«البحث يوميا في كشوف الشهداء».. كيف يطمئن الفلسطينيون بمصر على أسرهم في غزة؟

«البحث يوميا في كشوف الشهداء».. كيف يطمئن الفلسطينيون بمصر على أسرهم في غزة؟
يقولون إن الدعم النفسي وقت الأزمة لا يُنسى أبدًا، فجرت العادة أن يحتضن الصديق صديقه في وقت البلاء، وفي حالتهن كلهن «صاحبات بلاء»، تدعم الموجوعة صديقتها المقهورة إلى جوارها، يتمنين «مرسال» أو «رنة هاتف» تطمئن قلوبهن المحترقة على ذويهن في غزة، فمن قلب رمسيس بالعاصمة المصرية القاهرة، تطلق الفلسطينيات نداءات وجع، يتمنين لو تحملهن أجنحة الملائكة من مصر إلى غزة لاحتضان ذويهم هناك.
إيمان تركت والدتها وأخواتها في غزة
قبل 10 سنوات من الآن اختارت «إيمان بعلوشة» الاستقرار في مصر بصحبة زوجها وأبنائها، تاركة في غزة والدتها وأخواتها لظروف عملهم، تفرق شمل العائلة وظلت قلوبهم معلقة بالقطاع المحتل، كلما اندلعت اشتباكات انفضت قلوبهم على ذويهم هناك، إلا أن تلك المرة ليست كأي مرة سابقة.
«المرة دي في إبادة جماعية للشعب، حتى اللي هدموا بيوتهم بيموتوهم في المدارس، قلوبنا محروقة عليهم».. بلهجة شامية وقلب يعتصر من الحزن تحدثت الأم الفلسطينية إلى «الوطن» من داخل مقر اتحاد المرأة الفلسطينية في منطقة رمسيس، حيث تحول الاتحاد إلى ساحة تجمع يومي وجلسات دعم نفسي للأمهات الفلسطينيات يواسين بعضهن على ما يحدث في وطنهن الأم.
مكالمة كل 24 ساعة
مرة واحدة كل 24 ساعة تنجح «بعلوشة» في التواصل مع أخواتها وأقاربها في غزة، بعد أن قطع الاحتلال الكهرباء والاتصالات عنهم: «بفرح لو شوفت حد منهم بس أونلاين على النت بعرف إنه بخير وعايش».
في زاوية بعيدة من مقر الاتحاد، وقفت «ابتسام الحميدي» بالقرب من النافذة تتحدث بلهفة إلى شقيقها الوحيد الموجود بقطاع غزة، تسيل الدموع من عينيها وتحبس صوت بكائها، فرحًا بسماع صوته بعد محاولات متكررة للاتصال به تجاوزت الثلاثين مرة: «ليل نهار ماسكة تليفوني بحاول أتصل بيهم بفرح لو الشبكة عندهم جمعت وكتبولي رسالة أو سمعت صوت أخويا وولاده» تقول وتبكي من شدة الحزن.
روايات تدمي لها القلوب تسمعها السيدة الفلسطينية التي استقرت بمصر منذ ثلاثين عاما، من ابن شقيقها الذي يعمل في أحد مستشفيات القطاع، وصفتها بقولها، «بيقولي يا عمتي بيجينا حالات ما بنعرف نفرق بينهم كلها أكوام لحم وأشلاء»، تلوم نفسها ألف مرة في الساعة على تركها لهم وقدومها لمصر، «ياريت لو كنا معاهم هيبقى قلبنا أبرد من العذاب النفسي اللي إحنا فيه دلوقتي».
دعم نفسي للأمهات
بـ«حضن» وقٌبلة تستقبل السيدات الفلسطينيات بعضهن داخل مقر الاتحاد، لكل واحدة منهم حكاية صعبة، يجلسن متقاربات وقد امتلأت قلوبهن بالحزن وفاضت أعينهن من الدمع يستمعن إلى مواساة إحداهن تارة، ويطلقن أصواتهن بالدعاء تارة أخرى.
منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى، لا تنطفئ شاشة التلفزيون في منزل «فدوى الغول» التي استقرت بمصر منذ عام 1973 بصحبة اثنين فقط من أشقائها تاركة والدتها العجوز وباقي أشقائها وأبنائهم في قطاع غزة، تتابع عناوين الأخبار في كل لحظة وتتفحص كشوف الشهداء دوما خوفا من أن تجد من تعرفه بينهم، وزادت وطأة الخوف داخلها حين دمر الاحتلال منزل أخيها واضطر إلى الإقامة بأحد المدارس للاحتماء بها.
رعب وقت انقطاع الاتصالات
«إحنا بخير.. لسه عايشين».. كلمات كافية لأن تلتقط «فدوى» أنفاسها حين تصل إليها عبر أحد منصات التواصل الاجتماعي، بعد ساعات من الرعب على شقيقها ووالدتها، تصف الرعب الذي تعيشه لـ«الوطن»: «لما بيختفوا ساعات بموت من الرعب وبحاول أوصل ليهم من معارفنا بس يقولولي إنهم لسه عايشين»، كلمات قالتها وبكت فحاولت صديقتها احتضانها لدعمها، كجريحين يداوي كلاهما الآخر دون طاقة.