القضية الفلسطينية بحاجة إلى دماء جديدة
من أهم ما تمخضت عنه مذابح غزة وما يتعرض له الشعب الفلسطيني، هو أن القضية الفلسطينية أصبحت في حاجة ملحة إلى قيادات جديدة بدماء جديدة ، وفكر متطور يستطيع أن يخاطب العالم باللغات التي يفهمها والمفاهيم التي يدركها ، وأن يشعر أن المستقبل أمامه وليس خلفه .
لعل أصعب ما واجهته القضية الفلسطينية على طول تاريخها هو أزمة القيادات ، خاصة عندما جاء عليها حين من الدهر كان كل قادتها زعماء ، يختلفون ويتصارعون ويتقاتلون ويخوَّنون بعضهم البعض ، ولعلها أيضا أكثر قضية شهدت خيانات ومزايدات واستغلال ومتاجرة ، حتى أصبحت فلسطين هي الدولة الوحيدة المحتلة على مستوى العالم ، بعد أن تحررت كل الدول المحتلة ، بل المحتلة من قوى أكبر من إسرائيل!
لقد مرت على هذه القضية فرصًا كثيرة للحل ، حتى وإن كان حلًا جزئيًا لكن من المؤكد انه أفضل مما أصبح عليه الوضع الآن ، وإذا كان هناك مسئولية يتحملها أحد ، فان القيادات الفلسطينية هي من تتحمل مسئولية ما وصل إليه الحال ، حين أضاعوا الفرص والسنوات والمال الذي كان يتدفق عليهم ، والثروات التي استمتعوا بها هم وأبنائهم ، حتى كان هناك زمن يعد فيه حل القضية الفلسطينية خسارة حقيقية على قادتها والمستفيدين منها .
منذ قام الرئيس السادات بمبادرة القدس في نوفمبر ١٩٧٧ ، والفرص لحل المشكلة الفلسطينية تتوالى ، وكانت أحد محاور التفاوض المهمة على مائدة المفاوضات أثناء مفاوضات كامب ديفيد ، واستطاع الجانب المصري بقيادة الرئيس السادات أن يحقق خطوات واسعة ، من المؤكد أنها كانت أفضل مما حصل عليه ياسر عرفات فيما بعد في مفاوضات أوسلو في عام ١٩٩٣ ، كان وجود حزب العمل الإسرائيلي في الحكم ، ووجود شخصيات تتبع تيار السلام مثل إسحاق رابين وعايزرا وايزمان وغيرهما فرصة كبيرة أضاعتها القيادات الفلسطينية ، وأصبحنا الآن أمام رئيس وزراء إسرائيلي مختل كالثور الهائج ، يريد استعادة كرامته التي تمرغت وشعبيته التي تبخرت بأي طريقة ، حتى وإن كانت بإبادة جماعية ، وحتى لو قتل كل الشعب الفلسطيني .
إذن الحل الآن – في رأيي – هو أن يتصدر المشهد قيادات جديدة في الجانبين ، وما يهمنا في المقام الأول هوالجانب الفلسطيني ، ومن المؤكد انه يملك نماذج لشباب واع وقيادات مثقفة يمكن أن تستكمل الطريق ، ولقد شاهدنا نموذجًا لهذا ، وهو السفير حسام زملط السفير الفلسطيني في بريطانيا ، والذي يعد واجهة مشرفة للدولة الفلسطينية ، بما يملكه من حجة وقدرة على الرد والتفاوض ، ومن المؤكد أن هناك غيره كثيرون ، من دماء جديدة ، يمكنهم إعادة عرض القضية الفلسطينية على العالم بشكل أكثر فاعلية ، ومخاطبة الآخر بلغة جديدة ، هؤلاء هم من يجب أن يتصدروا المشهد الآن ، وأن يعيدوا الحياة للقضية الفلسطينية ، بعد أن كادت تنتهي وتطوى صفحتها .
فالمشكلة الفلسطينية لن يحلها سوى أبنائها ، وهم بالفعل أولى بحلها ، حتى لو أريقت دماء وزهقت أرواح ، فالحرية ثمنها غال ، والوطن يستحق التضحية من أجله ، قد يساعد البعض أو يتعاطف أو يندد ، لكن أبناء فلسطين سواء في داخل الأرض المحتلة أو في الشتات هم الأحق بحل قضيتهم ، وهم الأحق بحمل شرف الجهاد من أجل قضيتهم ، هم فقط وليس أحد آخر .