مؤتمر الإفتاء والقضية الفلسطينية

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

تحت عنوان: «الفتوى وتحديات الألفية الثالثة»، يُعقد يومى 18 و19 المؤتمر العالمى الثامن للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، تحت مظلة دار الإفتاء المصرية وبرعاية الرئيس السيسى، وبحضور كبار المفتين والعلماء والخبراء من أكثر من 90 دولة، وبمشاركة أممية من عدد من الهيئات الدولية ذات المستوى الرفيع.

محاور المؤتمر سابقة بكثير للأحداث الجارية فى فلسطين، من قيام الاحتلال الإسرائيلى فى غزة بالقتل والتهجير للصغار والكبار وقطع المياه والكهرباء والأدوية وهدم المستشفيات، فى حرب إبادة جماعية، راح ضحيتها حتى الآن 750 طفلاً.

وسط هذه الأجواء يأتى مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء، فى أحد فنادق القاهرة، ليرى العالم كيف يتعامل أول مؤتمر عالمى يأتى بعد الأحداث مع ما يحدث.

يُعنى المؤتمر بإبراز دور الفتوى والمؤسسات الإفتائية فى مواجهة التحديات الكبيرة التى تواجهها البشرية فى الألفية الثالثة، وعلى رأسها التحديات المتعلقة بالتغيّر المناخى، والسيولة الأخلاقية والفكرية، كالإلحاد، وخطابات الكراهية، وتنحية الدين عن حياة الناس، وتحديات الفضاء الإلكترونى، والتحديات الصحية المختلفة، والتحدى الاقتصادى، وكلها موضوعات نأمل أن تأتى ثانية بعد القضية الفلسطينية، وما يحدث فى غزة.

نقاشات المؤتمر تدور -كما هو مقرر لها قبل الأحداث فى غزة- حول ثلاثة محاور:

المحور الأول: «تحديات الألفية الثالثة.. تحديد المناطات وبناء طرائق المواجهة».

المحور الثانى: «الفتوى والتحديات الفكرية والأخلاقية».

المحور الثالث: «الفتوى والتحديات الاقتصادية وتحديات الفضاء الإلكترونى».

قبل بعد وأثناء مناقشة هذه الموضوعات نأمل ونتوقع بالحس الوطنى العربى الإسلامى الذى تتميز به مصر ومؤسساتها الفكرية الدينية أن تكون القضية الفلسطينية وما يحدث من إبادة جماعية وتهجير فى غزة، القضية الغالبة على المؤتمر.

إن هذا المؤتمر العالمى برئاسة فضيلة مفتى الجمهورية، هو أول مؤتمر عالمى داخل مصر يُعقد والأحداث مندلعة، والنيران مشتعلة، والرصاصات تتنزّل على الأبرياء فى غزة، لذا فالمأمول أن يتحول المؤتمر إلى داعم قوى للقضية الفلسطينية، وهو من وجهة نظرنا يكون من خلال:

1 - إدانة الأمانة العامة لما يحدث من قتل وتهجير وإبادة، ومصادرة الأموال، واستباحة مقدسات المسلمين والمسيحيين، نعم هذه الإدانة تمت بالفعل من كل مفتٍ على حدة، ففى اليوم الأول من الحرب يوم السبت 7 أكتوبر 2023، اتصل مفتى مصر بمفتى القدس، وقال إن القضية الفلسطينية لن تسقط بالتقادم، وإن مصر تحتل مكانة ريادية بين الدول المهتمة بالقضية الفلسطينية، وأدان بقوة ما يحدث من جرائم، لكن المؤتمر يخرج بإدانة جماعية وصوت واحد، لتكون هى الأولى من نوعها منذ اندلاع الأحداث، من داخل مصر، ويقف مفتى مصر ومفتى القدس ورموز أخرى ليقولوا كلمتهم فى ما يحدث من عدوان إسرائيلى.

2 - قيام الأمانة العامة فى مؤتمرها ببيان أن القضية الفلسطينية حية لن تموت، ولن تنجح محاولات طمسها، وأن مصر تضطلع بالدور الأكبر فى الدفاع عنها، لأن القضية الفلسطينية من ثوابت الدولة المصرية، وهذا ما أثبتته الأحداث منذ سبعين سنة حتى اليوم، وأنه منذ بداية الأحداث فإن الدولة المصرية ممثلة فى رئيسها، لم تألُ جهداً على المستوى الدبلوماسى والإنسانى وكل المستويات فى الوقوف بجانب فلسطين، وهو ما شهد به الكثيرون من داخل غزة ووزراء ودبلوماسيون ومحللون فى عدد من دول العالم، وأن الجيش المصرى قادر على صيانة الأمن القومى المصرى، والأقوى عربياً وأفريقياً، ومع ذلك فهو جيش رشيد، يحمى ولا يعتدى، ولا يتخلى عن واجباته تجاه وطنه، وتجاه القضية الفلسطينية والمقدّسات الدينية.

3 - أن العلماء المشاركين فى المؤتمر الممثلين للهيئات والمؤسسات فى بلادهم، عليهم عبء كبير، يبدأ من المؤتمر ولا ينتهى بنهايته، بل يستمر عند الرجوع لبلادهم للوقوف ضد التزوير والتزييف الذى تقوم به الآلة الإعلامية الغربية الجبارة غير المحايدة، التى قلبت الباطل حقاً، فأظهرت الفلسطينيين بأنهم يغتصبون النساء، ويقطعون رؤوس الأطفال، وهو ما اقتنع به الغرب، والعكس صحيح، المحتل هو من اغتصب النساء، وقتل الأطفال.

4 - نأمل من المؤتمر أن يبين أن إسرائيل استباحت كل القوانين والأعراف المتفق عليها، ولم تلتزم بالمواثيق الدولية، وإقامة الدولتين، واحترام القانون الدولى، وقامت بتجميد العمل الدبلوماسى، مع دعوة المؤتمر لمعالجة الأسباب الجذرية، وفى القلب منها مسألة القدس.

5 - أهمية أن يضم البيان الختامى أن الموقف المصرى له ثوابت أساسية نحو القضية الفلسطينية، وعلى رأس هذه الثوابت الحفاظ على فلسطين، ودعم السلام، وأن القدس عاصمة لفلسطين، ومنع تهجير أهل غزة إلى سيناء، لمنع المخطط الجديد الذى يستهدف تغيير التركيبة الديموجرافية لسكان غزة، ودفعهم إلى النزوح إلى سيناء، لإقامة المخطط الشيطانى بحلم «إسرائيل الكبرى»، وتصفية القضية الفلسطينية، وأن استراتيجية الأمن القومى المصرى تبدأ من خارج حدودها.

إن المؤتمر يضم محاور فى غاية الأهمية، لم يسبق إليها مؤتمر مماثل من مؤسسة دينية، لكن تطور الأحداث جعلنا نذكر فقط بما يجب أن يتغير ليلائم الأحداث الجارية، وإلا فالقائمون على المؤتمر والمشاركون فيه لا يشكك أحد فى وطنيتهم وإخلاصهم لقضايا أمتهم وحرصهم على خدمتها بالغالى والنفيس.