عظماء من مصر «القلا والمندوه»
نصف قرن مضت على حرب أكتوبر المجيدة التى قهرت العدو، الذى ظن أنه لم ولن يُقهر، نحتاج دوماً إلى تذكير أنفسنا وشبابنا بالأبطال الذين صنعوا النصر العظيم، لأن مواليد يوم 6 أكتوبر 1973 أصبحوا رجالاً وبلغوا من العمر خمسين عاماً.وفى السطور التالية سوف نُسلط الضوء على اثنين من أبطال الحرب.. شخصية عسكرية وأخرى مدنية..* المندوه «مقاتل فى الحرب والسلام»حينما سألته: هل كان حلمك تكون ضابط؟ أجاب كنت باحلم أكون راجل، ولذلك بعد تفوقه فى الثانوية العامة والتحاقه بهندسة الإسكندرية غيّر مساره إلى الكلية الحربية.
هو من مواليد عام 1948 فى قرية أبوذكرى مركز دكرنس محافظة الدقهلية، لأسرة كبيرة، 12 من الأشقاء، والده كان عمدة القرية ومثله الأعلى هو ووالدته.شغل مناصب كثيرة ومهمة وتدرّج فى جهاز المخابرات العامة، لدرجة وكيل أول الجهاز، كان قنصل عام مصر لدى إسرائيل ونيجيريا. ولكن الأهم فى حياته أنه فى الساعة الرابعة يوم 6 أكتوبر قبل 50 عاماً بعد العبور بساعتين، كان برتبة «نقيب» وصدرت له الأوامر بالقيام بمهمة فى وسط سيناء خلف خطوط العدو لرصد تحركاته فى تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة، وكان مقدّراً للمهمة تسعة أيام، ولكنها استمرت ستة أشهر، فى منطقة شديدة الخطورة وفى مواجهة عدو محتل غاشم، حيث كان يرى الموت يومياً، حتى ظنت أسرته أنه استُشهد بعد انقطاع أخباره.
ولكن يوم 16 مارس 1974 تلقت الأسرة أهم اتصال يفيد بأن نجلها ما زال على قيد الحياة وعاد إلى السويس راكباً جملاً يسير فى طرق مجهولة، وفى صباح اليوم التالى أصر المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية، على استقبال البطل، وبنفس حالته، حيث شعر رأسه الطويل وكذلك ذقنه، نظراً لأنه قدّم ثروة من المعلومات كان لها عظيم الأثر فى حرب أكتوبر المجيدة.إنه بطل من مصر سيادة اللواء «أسامة المندوة»، أحد صناع نصر أكتوبر العظيم، والذى حصل على النجمة العسكرية، أعلى وسام، لأنه حارب إسرائيل فى الاستنزاف وأكتوبر وأيضاً فى معركة السلام.
* القلا «الطبيب المقاتل»..أثناء القصف العنيف والمتواصل لطيران العدو على اللواء 25 مدرعات قام المجند «رجب» بإلقاء نفسه فوق الطبيب المقاتل حتى يحميه بجسده ويتلقى عنه القنابل والرصاص، هذا الموقف العظيم رغم مرور 50 عاماً لم ينسه الطبيب، وحينما سأل المجند: لماذا فعلت ذلك؟ ولماذا كنت تضحى بحياتك من أجلى؟ كانت الإجابة مذهلة: «لأن حضرتك بتعاملنا بكرامة واحترام». من يومها والطبيب لديه قناعة لا تتزعزع بروعة الإنسان المصرى، الذى إذا منحته الكرامة وحافظت على حقوقه وخفّفت من معاناته يفديك بحياته ويصنع المعجزات.«الطبيب المقاتل» 15 يوماً فقط فصلت بين تخرجه فى كلية الضباط الاحتياط وقيام حرب أكتوبر، ثم التحاقه باللواء 25 مدرعات الذى تحول فجأة من احتياطى قيادة عامة إلى رأس حربة فى مواجهة العدو، وتم تكليفه بغلق الثغرة من ناحية الشرق وقاتل بشراسة.
الطبيب المقاتل لم يفكر أبداً فى الموت الذى يراه عشرات المرات يومياً، حيث كانت مهمته علاج الجرحى على طول جبهة القناة، وما زال حتى الآن يعيش السيمفونية الرائعة التى عزفها الشعب والجيش المصرى خلال الحرب من أصغر جندى، حتى رئيس الدولة ووزير الحربية، وتناغم جميع أجهزة الدولة بأدائها المتميز فى التوقيت المناسب وبأعلى درجات الإتقان.
الطبيب المقاتل البطل، الذى يتمتّع بأدب جمّ وتواضع رفيع وعفة اللسان بعد مشاركته فى صناعة النصر العظيم عاد إلى عمله بوزارة الصحة وتدرّج فى وظائفها حتى درجة «رئيس قطاع» وكيل أول الوزارة، ولأنه رجل إدارة ناجح من الطراز الأول أسهم فى إنشاء مؤسسات تعليمية متميزة.
الطبيب المقاتل المدير الناجح مهموم ببناء الإنسان، وبالتنمية الاقتصادية والبشرية ويتمتّع بالفكر الراقى مع قوة الشخصية ويرى أن البشر أهم ثروة تمتلكها مصر وكلما تحسن التعليم وكفاءة الخريجين ارتفع الدخل القومى.
إنه عظيم من مصر د. حسن القلا، أحد صناع نصر أكتوبر العظيم ومؤسس جامعة بدر للعلوم والتكنولوجيا ومساعد وزير الصحة الأسبق.اللواء أسامة المندوه والدكتور حسن القلا نموذج يُحتذى وقدوة طيبة لشبابنا بارك الله فى عمرهما وصحتهما جزاء ما قدّما لوطنهما من تضحيات خالدة.
وفى كل ما يقدم خدمات جليلة للوطن فى جميع المجالات حتى تحيا مصر قوية ناهضة تواجه التحديات الداخلية والخارجية.