هيكل.. الصورة والأسطورة
مر بالأمس مائة عام على ميلاد الصحفي والكاتب السياسي الأشهر في الوطن العربي محمد حسنين هيكل. كان هيكل يُحب أن يذكر أنه ولد في العام الذي حصلت فيه مصر على دستور عام 1923.
لم يكن هيكل ابنا لأسرة من الأثرياء أو حفيدا لباشا من الباشاوات ولم يلتحق بأغلى المدارس أو أرقى الجامعات , إنما كان ابنا لأسرة عادية من الطبقة المستورة لأب تاجر لا يقرأ ولا يكتب وأم تعرف القراءة والكتابة فكانت معلمه الأول والمؤثر الذي زرع فيه حب الحكاية وحب القراءة .قصة هيكل تصلح لأن تكون دليلا لقوة الإرادة والتصميم والعزم , صمم شاب على أن يكون ذو حيثية وأن يترك بصمته في طريق حياته لا أن يكون مجرد شخص جاء للدنيا عابرا تنتهي قصته بنهاية عمره. كانت إرادته وتصميمه وعزمه دافعا للقدر والظروف لكي يتبنوا ما أراد.
اجتهد لكي يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية إجادة تامة بجانب إجادة اللغة العربية . عندما عمل في جريدة إيجيبشان جازيت التي تصدر باللغة الإنجليزية زادت من قوة لغته الإنجليزية وهو ما ظهر أثره عندما صار يكتب باللغة الإنجليزية في جريدة صنداي تايمز العدد الأسبوعي للتايمز وكان مقاله يشغل الصفحة الأخيرة كاملة.
أيضا كان من تقاليد التايمز وصحف إنجليزية أخرى الاستعانة بكبار الصحفيين من أصدقاء الجريدة لإصدار أعداد الجريدة لمدة قد تكون أسبوعا أو أكثر وكان هيكل يرحب بهذه الاستضافة تعميقا لصداقته مع الصحف الإنجليزية.
ترأس هيكل مجلة آخر ساعة وعمره 27 عاما بعدما انتقل من جازيت إلى آخر ساعة بناء على طلب محمد التابعي واستمر بعد ذلك يعمل في صحف أخبار اليوم ويسجل انتصارات صحفية فسافر لتغطية أحداث ثورة مصدق في إيران وألف أول كتاب له "إيران فوق بركان"، فيما بعد سافر مرة أخرى إلى إيران إبان ثورة الخميني وكتب " مدافع آية الله ".
وكان في ذلك الوقت نجم أخبار اليوم الأول من الصحفيين الشبان الذين كانوا أعمدة في أخبار اليوم. في عام 1957 جاءه عرض علي الشمسي باشا رئيس البنك الأهلي لكي يتولى رئاسة التحرير في جريدة الأهرام العريقة.
كانت تلك النقلة نقطة تحول في حياة هيكل والصحافة المصرية بوجه عام بعدما صار صاحب قرار وتحولت الأهرام في عهده إلى أكبر صحيفة عربية. كانت علاقة هيكل مع الزعيم جمال عبد الناصر أقوى ما يكون وقد بدأت قبل قيام ثورة يوليو فقد تعارفا وآخرون خلال حرب فلسطين عام 1948 واستمرت العلاقة بعد ذلك وتعمقت بعد الثورة بعدما أدرك عبد الناصر مدى قوة هيكل الصحفية ومدى إخلاصه للثورة وله واستمرت علاقتهما حتى ممات ناصر.
ورغم إخلاص هيكل للسادات ومشاركته في الإطاحة برفاق عبد الناصر فيما سمي بمراكز القوى إلا أن السادات أطاح بهيكل بمجرد أن حدث بينهما خلاف على ما يكتب بعد محادثات فض الاشتباك بعد حرب أكتوبر , بل وقام في سبتمبر عام 1981 بسجنه ضمن 1550 شخصية مصرية من كل الاتجاهات السياسية والعمرية وهي الواقعة التي قتل بعدها السادات في 6 أكتوبر 1981.
كان هيكل صديقا للرؤساء والملوك , وهو ما اعتبره السادات نوعا من التعالي من جانبه وعندما سجنه تدخل الرئيس الفرنسي ميتران في محاولة للإفراج عنه وتدخل الملك حسين ملك الأردن ولكن السادات لم يستجب . كان معروفا أن بعض الرؤساء العرب كانوا يطلبون من هيكل زيارتهم لسماع رأيه وتحليلاته في أحوال المنطقة والعالم مدركين مدى عمق هذه التحليلات وعارفين بعلاقات هيكل الدولية والمحلية.
تحفل مكتبات الجامعات بعشرات من رسائل الدكتوراه والماجستير عن محمد حسنين هيكل كما تحفل المكتبات بمئات الكتب المؤلفة عنه وهو ما لم يحظى به غيره . لم يكن هيكل صحفيا عاديا أو حتى متميزا , بل كان من الفلتات , سطر اسمه بجدارة في كتاب المجد الصحفي والسياسي.