زلزال وإعصار و«تهويش» بالعزل

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

فى هذا الأسبوع المؤلم المفجع، خفتت حرارة الجو القائظ والتهبت الأحداث والحوادث، آلاف الضحايا فى زلزال وإعصار ضمن الأسوأ على مدار عقود تصل إلى قرن وربما أكثر.

فى البداية زلزال المغرب المروع، ثم إعصار ليبيا المميت، وبعيداً عن تفاصيل ما جرى التى يعرفها الجميع من الأخبار العاجلة والمتابعات والتقارير الإعلامية على مدار الدقيقة، وبعيداً عن صور الخراب والدمار والحزن والبؤس، يتعجب البعض من الاختلاف الكبير فى التعامل بين زلزال المغرب وإعصار ليبيا، رغم أن الكثير فى الأغلب حصد أضعاف عدد الضحايا الذين حصدهم زلزال المغرب.

الأدهى من ذلك أن البعض لم يسمع عن إعصار ليبيا، والبعض ممن سمع به يعتقد أنه «شوية عواصف»، وهناك من يتعجب من الفرق الكبير فى عروض المساعدات المقدمة إلى المغرب وتلك المقدمة إلى ليبيا، والتى لا تزيد عن عدد أصابع اليدين، وأغلبها -باستثناء عدد محدود جداً من الدول وعلى رأسها مصر التى قدمت دعماً فورياً فعلياً- يظل حبراً على ورق.

المغرب دولة سياحية من الطراز الأول.. مناطق عدة فيها تعتبر الوجهة رقم واحد لملايين الأوروبيين، لا سيما مراكش.

آلاف الأجانب يعيشون فى المغرب، وملايين الفرنسيين والبلجيكيين والإيطاليين من أصول مغربية يجعلون المغرب حاضرة فى حياة ملايين الأوروبيين، ناهيك عن أن علاقة المغرب بدول أوروبا -رغم الجفاء مع فرنسا مثلاً- تظل تاريخية وعميقة وأعمق بكثير من مجرد السياسة.

ويقول البعض إن السبب فى تجهيل مأساة ليبيا المروعة دولياً ربما يعود لكونها دولة غير مستقرة، لكن سوريا -غير المستقرة أيضاً- حظيت باهتمام دولى مكثف حين ضربها زلزال فبراير الماضى المروع.

ليس هذا فقط، بل ظلت معضلة وصول المساعدات الدولية للمتضررين فى بعض المناطق أزمة يعمل كثيرون على حلها.

أما ليبيا، أو بالأحرى الليبيون ومن معهم من جنسيات مختلفة وبينهم من كان ينتظر دوره فى الهجرة غير النظامية، فلا حول لهم أو قوة.

بوتين يعزى، وبايدن يعلن الاستعداد للمساعدة، وإيطاليا ترسل بعض المساعدات وغيرها من العروض والتعازى والمساعدات المحدودة.

حتى التعاطف، لا سيما الغربى، مع أناس قضوا وعائلات جرفتها المياه بأكملها، فبارد وبعيد ومتحفظ. أما مصر، فالوضع مختلف تماماً.

مصر لم تبدأ فى إرسال مساعدات فورية فقط، بل توجه رئيس أركان القوات المسلحة الفريق أسامة عسكر للتنسيق مع الجانب الليبى وتقديم الدعم اللوجيستى والطبى والفعلى والإنسانى والنفسى للأشقاء، وتم فتح جسر جوى لنقل ما يلزم.

وما يلزم لفهم رحلة زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون لروسيا بالقطار، وسلام الرئيس الروسى بوتين له الحار لحظة استقباله، حيث المصافحة استغرقت 40 ثانية كاملة هو استيعاب خريطة المكايدة السياسية العالمية.

هذه المكايدة ليست مجرد إغاظة أو استثارة مخلوطة بعداء ونزاع مكتومين، إنها معادلات دولية وتدخلات عسكرية وتوازنات عالمية وحروب بالمليارات ومنافسات دونها الرقاب، كوريا الشمالية بعبع الغرب، وروسيا أشكيفها اللدود.

وحين يتقارب كلاهما بهذا الشكل الذى لا يخلو من استعراض (لاحظ رحلة القطار البطىء الذى لم تزد سرعته طيلة المسافة من كوريا الشمالية إلى مدينة فلاديفوستوك الساحلية الروسية عن 50 كيلومتراً فى الساعة، أى ضعف سرعة «البسكلتة» السريعة وذلك بسبب حمولته الناجمة عن كونه مدرعاً من الدرجة الأولى)، فإن الرسالة تكون «خافوا واحذروا».

البعض يتخذ من «تهويشات» كوريا الشمالية النووية والعسكرية والقتالية سبباً للضحك والسخرية، لكن مثل هذه الأمور لا يجب إلا أن تؤخذ مأخذ الجد، لا سيما أن من ضحك أخيراً ضحك كثيرا، كما أن التعقل والتفكر والتدبر لا تحرك بالضرورة القرارات السياسية والعسكرية والدفاعية والهجومية.

الطريف أن موقع «روسيا اليوم» فى عام 2019 نشر خبراً عنوانه «المصرى ساويرس يؤكد رأى بوتين بزعيم كوريا الشمالية».

وجاء فى الخبر أن رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس أكد رأياً كان بوتين أبداه عن كيم جونج وهو أن الأخير «رجل منفتح بما فيه الكفاية، ويحاور بحرية حول مواضيع مهمة، ومحاور غنى بالأفكار»، و«وذلك عكس الرواية الغربية التى ينقلها الإعلام الغربى عنه»!

المهم هو أن كيم جونج وجه دعوة لبوتين لزيارة كوريا الشمالية، وقبلها بوتين، والقادم أكثر إثارة.

ليس القادم فقط، بل الحاضر أيضا، فالرئيس الأمريكى جو بايدن يواجه شبح «العزل»، وهو السلاح «التهويشى» الذى تم توجيهه على مدار أشهر طويلة للرئيس السابق دونالد ترامب.

فقد أعلن رئيس مجلس النواب والجمهورى الساطع نجمه كيفين مكارثى أعلن عن تحقيق رسمى لعزل الرئيس الأمريكى بسبب «اكتشاف ثقافة فساد محيطة به».

الأمر يتعلق بنجل بايدن، والاتهامات التى تحوم حوله من إجراء معاملات تجارية يقال إنها «غير لائقة»، والتساؤل عم إذا كان الرئيس استفاد منها بشكل أو بآخر.

بشكل أو بآخر، «التهويش» بالعزل لا يمكن قراءته بمعزل عن الحرب الضارية بين الجمهوريين والديمقراطيين وقرب الانتخابات الرئاسية العام القادم.