حكايات اليائسين من مصر أمام معبر "رأس جدير"

حكايات اليائسين من مصر أمام معبر "رأس جدير"
ضغط عصام عاطف على يد زوجته بقوة بمجرد أن وطئت قدماهما الأراضى التونسية، وهمس فى أذنها سنعود. لم تنطق الزوجة ونظرت نحو المنفذ الليبى، ثم تحركت مسرعة لإنهاء إجراءات عودتها إلى مصر. [FirstQuote]
«لماذا سأعود؟!» كرر الشاب الثلاثينى سؤالى باستنكار، وقال «لأن كل شىء يدفعنى لأعود، الوضع الاقتصادى ومستوى الدخل ومدى توافر فرص العمل، كل شىء. ببساطة نحن فى مصر مش عايشين»، أبعد عينيه عنى، وصمت للحظات وعاد يكمل حديثه ضاغطاً على كلماته: «سأعود هرباً من الظلم وضياع الحقوق، كنت متزوجاً قبل زوجتى الحالية وتوفيت زوجتى الأولى، وكنت قدمت على شقة من شقق المحافظة، وعندما جاء الدور علىّ لأستلم الشقة بعد سبع سنوات كانت زوجتى قد توفيت، فرفضوا منحى الشقة، ذهبت لمحافظ السويس قلت له: وأين سأعيش سأتزوج ثانية، فرفض وقال لى قدّم مرة أخرى، قلت له زوجتى ماتت هل أموت أنا أيضاً أريد أن أعيش فرفض، تركته وخرجت من مكتبه على ليبيا. كان يريدنى أن أنتظر وزوجتى الحالية سبع سنوات أخرى ننام فيها على الرصيف، لذلك أقول لك سأعود لا مكان لى هناك فى مصر، إذا كانت الحكومة تهملنا وتريدنا أن نموت خلاص نموت فى أى مكان ولو متنا بعيداً عنها.. بعيداً عن مصر، صمت ونظر إلى وقال مستدركاً وكأن كلمته الأخيرة رنّت فى أذنيه: «تعرف، لم أعد خوفاً ولا هرباً، عدت بسبب ضغوط أسرتى وأسرة زوجتى علينا، ولكن إذا سألتنى هل تريد العودة أقول لك لا لا أريد العودة يكفى أننى الآن وزوجتى لا نعرف أين سنعيش». حاملاً طفلة رضيعة على يديه وبصحبته أربعة أطفال آخرين وزوجته خرج شحتة عامر يتحدث مع زميل آخر له عن ليبيا والخير الموجود فى ليبيا، مؤكداً أنه سيعود ثانية بمجرد هدوء الأوضاع، عندما لاحظ نظرة الدهشة فى عينى قال: «أعمل فى مدينة الجميل بالقرب من طرابلس منذ 17 عاماً، ولم أكن أفكر فى العودة مطلقاً ولكنى عدت عندما وجدت كل المصريين يعودون، بصراحة كنت خايف تونس تغلق الحدود ونبقى محاصرين فى ليبيا إذا ساءت الأمور، ورغم أن المنطقة التى كنت أعيش بها هادئة وأمان، لكنى فضلت العودة مؤقتاً لحين هدوء الأوضاع، وسأعود ثانية، لو الأحوال اتصلحت» مثل الإجازة مدفوعة الأجر يعود «شحتة» مع كل جسر جوى تسيّره مصر لنجده المحاصرين فى ليبيا، لكنه يرجع بنية العودة، «نزلت الإجلاء اللى فات فى أغسطس الماضى، وجلست فى تونس 7 أيام، ثم نقلتنى الطائرات المصرية إلى مصر، وبعد ذلك عدت مرة أخرى لأكل عيشى، أعمل فى ليبيا مبلط رخام وسيراميك، صحيح فى شغل مماثل فى مصر لكن مش كتير والدخل أقل بكتير والمصاريف فى مصر أكثر».
قلت له لكنّ هناك قراراً مصرياً بمنع سفر المصريين إلى ليبيا، فقال ببساطة: لا، سنعود وبقرار من الدولة، الحكومة لن تتحملنا كثيراً، ومجرد هدوء الأوضاع ستسمح لنا بالعودة ثانية.[SecondImage]
«إن شاء الله بمجرد هدوء الحال»، قال منتصر ابن محافظة أسيوط مؤكداً عزمه العودة إلى ليبيا مجدداً، قائلاً: «أعمل نجار مسلح فى ليبيا منذ عام تقريباً والأوضاع هناك جيدة وكنت أعيش فى منطقة شرقى طرابلس صحيح أصبح هناك شوية صعوبات، لكن بصفة عامة الأوضاع لم تكن شديدة الخطورة ولذلك سأعود ثانية بمجرد هدوء الأوضاع، لأن الرزق فى مصر شحيح والحياة بقت صعبة وهناك نحصل على دخل جيد أعيش منه وأرسل لأسرتى كذلك».