إندونيسيا.. النمر الذى خرج من «الصندوق» ليحقق المعجزة

كتب: أحمد عبدالحكيم

إندونيسيا.. النمر الذى خرج من «الصندوق» ليحقق المعجزة

إندونيسيا.. النمر الذى خرج من «الصندوق» ليحقق المعجزة

أن تحقق إصلاحا وتحرز نموا بعد انهيار تام من خلال سياسات سريعة فاعلة أمر معتاد رؤيته فى ظل حكومات جادة، وأن تسعى للارتقاء ببعض الطبقات الفقيرة وتنتشلها من مستنقع يقبع فيه الكثيرون وتسعى إلى تحرير الاقتصاد بدرجة تضاهى تلك الموجودة فى الدول الغربية أمر جيد لكنه ليس بالمعجزة، فالإعجاز يكمن فى جعل بلدك ضمن مصاف كبار اقتصاديات العالم بعد التخلص من قروض خارجية وتبعية سياسية لمانحى تلك القروض، واللجوء إلى إقراضها. تلك هى «الشفرة الإندونيسية» كما يسميها البعض، التى استطاعت أن تضع تجربتها ضمن الخمس الكبار اقتصاديا فى القارة الآسيوية، بعد أن حققت معدلات نمو ضاهت تلك الموجودة فى كل من الصين والهند «العملاقين القادمين»، فى ظل إقبالها على إنهاء قروضها المستحقة لصندوق النقد الدولى التى دمرت أوصال اقتصادها وزادته كبوة على كبوته فى خضم أزمة مالية عصفت ببلدان شرق آسيا عام 1997، تلك التجربة لم يتجاوز عمرها عدد أصابع اليدين حسابيا، لدرجة جعلت نائب محافظ البنك المركزى الإندونيسى يقول عنها: «نريد أن نضع بعض حبات الرمل فى العجلات لكى نبطئ حركتها»، فتلك هى حقا الشفرة التى يتطلب من الاقتصاديات الناشئة فكها واتباع نهجها فى التعامل مع القروض الخارجية.[Quote_1] جاءت بداية قروض النقد الدولى لإندونيسيا بعد مفاوضات قادها سوهارتو قبل رحيله عن الحكم يحصل بمقتضاها على قرض قيمته 43 مليار دولار على دفعات لإعادة هيكلة الاقتصاد، وتخفيض العملة، وحل الاحتكارات المالية والصناعية للأشخاص القريبين من السلطة، ونبذ الاعتبارات الذاتية فى تدبير الاقتصاد، وإعادة هيكلة القطاع البنكى، وذلك بعد انهيار اقتصاد البلاد كليا نتيجة الأزمة المالية التى عصفت بدول شرق آسيا 1997-1998، والتى مثلت خطا فاصلا أحدث تحولا دراماتيكيا على كافة الأصعدة السياسية منها والاقتصادية، بلغت أوجها فى إزاحة الفيلد مارشال «سوهارتو» عن الحكم الذى ظل على رأسه طوال 32 عاما، ثم تحولت لتضرب اقتصاد البلاد فى مقتل جعلها الأكثر تضررا من الأزمة على الإطلاق بين مثيلاتها من دول المنطقة. تلك الأزمة المالية أصابت الاقتصاد الإندونيسى بمعدلات من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة ومستوى الفقر لا سابق لها، فبعد تحقيق معدلات نمو وصلت إلى 7% فى المتوسط فى أواخر عهد سوهارتو، انكمش الاقتصاد عام 1998 بنسبة 15% وارتفع التضخم من أقل من 10% ليصل إلى 70%، ومنها انهارت عملة البلاد الرسمية وانهارت قيمة الأسهم الإندونيسية بالدولار الأمريكى بنسبة 90% فى هذا العام وحده، وفى الوقت ذاته عانى المواطنون من تلاشى واختفاء مدخراتهم واستثماراتهم ووظائفهم، ناهيك عن ازدياد نسبة ما دون خط الفقر إلى 50% من تعداد السكان المتجاوز ربع مليار نسمة تقريبا. اضطرت الحكومات المتتالية بعد الإطاحة بسوهارتو إلى التعامل مع قروض النقد الدولى وشروطه المجحفة بهدف إخراج البلاد من أزمتها المتعثرة، لكنها وجهت تلك القروض فى إعادة هيكلة اقتصاد الدولة دون توجيهها إلى أغراض استهلاكية، فى ظل سياسات وإصلاحات اقتصادية حكيمة وجادة من قبل الحكومات لإخراج البلاد من كبوتها.[Quote_2] وبلغت حصيلة قروض النقد فى عهد ميجاواتى سوكارنو رئيسة البلاد فى عام 2000 إلى ما يعادل 11 مليار دولار لتحتل بهذا الرقم المركز الثانى فى تلقى القروض من الصندوق بعد روسيا. إلا أن الإصلاحات التى انتهجتها الحكومة مكنت تلك الدولة المكونة من عدد من الجزر يبلغ عددها 17 ألف جزيرة وذات كثافة سكانية عالية، من قهر المصاعب ورفع مستوى الطبقات الكادحة بعد أن كانت المعيشة متدنية للغاية، فنجحت فى تغطية 85% من ديونها، ومن المتوقع أن تقوم بسداد باقى الديون على مشارف 2014 لتدخل بذلك إلى النادى محدود الأعضاء المسمى بالنمور الاقتصادية. كما تشير كافة المؤشرات إلى أن إندونيسيا بحلول عام 2025 ستكون من بين الدول التى يعتمد عليها اقتصاديا فى العالم، لتخالف بذلك كافة التوقعات التى رأت حتمية انزلاقها فى فوضى عارمة نظرا للتنوع والاختلاف بين قاطنيها. كما تمكنت إندونيسيا من تحقيق معدلات نمو مرتفعة فى السنوات الأخيرة على الرغم من الأزمة المالية العالمية التى ضربت اقتصاديات العالم الكبرى عامى 2008 و2009، حيث زاد معدل نموها من 4.6% عام 2009 إلى أن وصل إلى 6.5% عام 2011، بحجم ناتج محلى إجمالى 1٫139 تريليون دولار لتصنف الـ16 عالميا بين اقتصاديات العالم، فى ظل توقعات من المراقبين إلى ازدياد نسبة النمو إلى 9% بحلول عام 2025 لتنافس بذلك الهند والصين.