حرائق الغابات و«فاجنر» وأوهام البشرية
اعتدلت حرارة الجو، لكن حرارة الأحداث تأبى أن تعتدل. حرائق الغابات مشتعلة من اليونان والجزائر وتركيا إلى كندا وهاواى وبعض أنحاء كاليفورنيا.
تطرح هذه الحرائق الكثير من الأسئلة. فكيف لدول كبرى مثل كندا أن تعجز عن إطفاء حرائقها؟ الأمر بالغ الصعوبة.
حرائق كندا ألقت بسحب دخانية كثيفة خطيرة على سماء الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم ذلك لم تُطفَأ الحرائق بعد.
قرأت العديد من التحليلات، منها أن لا كندا أو أمريكا تملك عدداً كافياً من قوات الإطفاء لتتمكن من محاصرة هذه الحرائق غير المسبوقة، والتى جعلت سماء شرق ووسط أمريكا عبارة عن «سحابة سوداء» كثيفة على مدار أسابيع.
وجاء فى ورقة بحثية كندية ترتكن إليها سياسات الإطفاء: «إذا لم يعرض حريق الغابات هذه القيم للخطر، فمن الممكن مراقبتها وتركها لتحترق».
أما ما هذه القيم فهى: حياة البشر وسلامتهم، أولويات المجتمعات المحلية، البنية التحتية، الموارد الطبيعية والقيم البيئية.
إنها أولويات تعكس ثقافة يعتبرها البعض «غريبة».فى اليونان، تبدو الحرائق مختلفة من حيث المكون الثقافى وأولوياته.
الحرائق فى اليونان مشتعلة منذ نحو أسبوع. وقد أودت بحياة نحو 20 شخصاً، لكن أغلب هؤلاء يُعتقد أنهم مهاجرون غير نظاميين أى غير شرعيين.
تسللوا إلى اليونان كغيرهم من الآلاف الهاربة من ظروف بلادها القاسية العابرة للمتوسط والحدود، واحتموا بالجبال المطلة على أثينا العاصمة، فأصبحوا حرفياً كمن قفز من المقلاة فى النار.
والنار أشكال وأنواع، ومنها ما يتجسد فى صورة حادث طائرة لن يحال إلى أرشيف حوادث الطائرات المأساوية لكن تظل «عادية».
سقوط وتحطم الطائرة الخاصة التى كانت تقل عدداً من الأشخاص بينهم رئيس مجموعة «فاجنر» يفغينى بريغوجين هى إحدى تلك الحوادث «غير العادية».هيئة الطيران المدنى الروسية أعلنت مقتل جميع من كانوا على متن الطائرة التى كانت فى طريقها من موسكو إلى سان بطرسبرج، وبينهم بريغوجين.
العقل البشرى المتابع للأحداث لا يسعه سوى تذكر ما جرى من قبل «فاجنر» مجموعة المرتزقة التى تحارب على جبهات عدة من أوكرانيا إلى سوريا ومنها إلى ليبيا وقلب أفريقيا.
ففى يونيو الماضى، قامت المجموعة بتمرد «فاشل» حين قرر بريغوجين أن يتمرد على الكرملين، وهو الملقب بـ«طباخ بوتين». ومنذ هذا التمرد، ورغم الهدوء الذى ساد الأجواء الروسية بعدها بالإضافة لفشل أوكرانيا فى استغلال هذا التمرد لصالحها، إلا أن الأحداث، أو بالأحرى «الحدث» أثبت أنه كان هدوء ما قبل العاصفة القاتلة.
الوضع الذى فرضته أحداث الأسبوع تشير إلى أن قائد فاجنر مات، وقوات فاجنر وأسلحتها بالغة التطور ورجالها المنتشرون شمالاً وجنوباً أحياء يرزقون ولكن بلا قائد أو مصير واضح.
ولا ننس أنهم مقاتلون بأجر، أى ليسوا جيشاً نظامياً يعتنق مبادئ الوطنية والدفاع عن الوطن ويرفع راية «نموت نموت ويحيا الوطن».
هم مقاتلون بأجر، وبدون أجر هم أشبه بالموظف الذى يتم تسريحه فيبحث عن وظيفة أخرى بسرعة فى التخصص الذى يتقنه فى أى مكان آخر.وفى مكان آخر، ليس بعيداً عن قوات فاجنر أيضاً، جاء الأسبوع محملاً بأحداث قاتمة.
فلم تمض شهور معدودة على شبه استقرار الأوضاع فى سوريا وشبه عودة جوانب من الحياة فى بعض المناطق إلى شبه طبيعتها بعد أكثر من عقد من الصراع والحرب الأهلية الطاحنة وهيمنة داعش وتفريغ سوريا من جزء كبير من محتواها البشرى لا يقل عن 6٫8 مليون سورى، تندلع احتجاجات فى السويداء مجدداً.
تبدو الاحتجاجات «سلمية»، لكن سنوات «الربيع» أثبتت أن ما يبدأ سلمياً، أو يبدو هكذا على الأقل، سريع الاشتعال.وبقيت الإشارة إلى أن خصوصية السويداء تكمن فى أنها معقل الأقلية الدرزية، وقد بقيت بعيدة إلى حد ما عن أحداث سوريا الدامية على مدار 12 عاماً.
أعوام هيمنة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعى والأتمتة وكل ما يمت بصلة للثورة الرقمية لم تعلم البشرية الكثير. تعلم البشر الكثير عن أصول صناعة فيديوهات التيك توك، وأفضل زوايا الـ«سلفى»، وكيفية الاستفادة من حساب «تويتر» لتسويق الذات والخبرة، واستخدام «لينكدإين» للعثور على عمل، واللجوء إلى حائط مبكى «فايسبوك» لكسب التعاطف وغسل الأدمغة وادعاء المعرفة وتمضية وقت الفراغ.
لكن البشرية لم تع، وما زالت لا تعى، أنها مجرد مستخدم ومفعول به لا حول له بدون أصحاب الشركات أو قوة إلا لو سمح أباطرة الذكاء الاصطناعى بذلك لغايات لا يعلمها إلا الله وهم.وهم الإقلاع عن السوشيال ميديا وقتما نحب، أو العودة إلى الورقى كيفما نشاء أو حتى المزج بين الورقى والرقمى وقت الحاجة، أو كبح جماح الذكاء الاصطناعى إن لزم الأمر هو وهم مؤكد.
وأنهى كلماتى بهذا الخبر: «منع قاض أمريكى العديد من الوكالات الفيدرالية والمسئولين فى إدارة بايدن من العمل مع شركات التواصل الاجتماعى لمنع تدوينات معينة إلا فى حالات نادرة جداً».