مأساة "علي" في "التخشيبة".. "تشريفة وبلطجة ونوم بالوردية"
لم يكن "علي" طالب كلية تكنولوجيا المعلومات، يتصوَّر أنه في يوم من الأيام سيقبع في غرفة "التخشيبة" إلى جوار السارقين والقتلة والمجرمين، يشاركهم أيامهم ويعاني جوارهم، وأن يفترق عن أصدقائه الذين كانوا دائمًا بصحبته، في الجامعة وفي "خروجات" الليل، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
يقول "علي" إنه أُلقي القبض عليه في نوفمبر من العام الماضي، ويحكي لـ"الوطن" رحلته داخل "تخشيبة" أحد أقسام الشرطة، التي مكث فيها شهرًا ونصف، قبل أن يتم نقله إلى أحد السجون العمومية ليقضي فيه فترة مماثلة، ثم تأمر النيابة العامة بإخلاء سبيله.
ويضيف أن سبب إلقاء القبض عليه هو وجوده في ميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر، أثناء مظاهرة لجماعة الإخوان "المحظورة" والاشتباه فيه من قوات وزارة الداخلية، نافيًا أن تكون له علاقة فعلية بالجماعة ومظاهراتها.
بدأ "علي" يومه الأول في القسم بـ"التشريفة" التي اعتاد أن يفعلها المحتجزين الجنائيين مع كل قادم جديد، يجردونه من كل أمواله ومتعلقاته التي دخل بها، بالإكراه والقوة، ويذكر أن لكل غرفة حجز بالقسم "نبطشي"، هو أقدم المحتجزين وجودًا في الغرفة، وأكثرهم قدرة على "البلطجة"، ويأخذ من كل محتجز علبة سجائر يوميًا، أو عشرة جنيهات.
ويؤكد الطالب أن إدارة القسم كانت تسمح لأسرته أن ترسل له طعامه اليومي، لكنه كان يتشارك فيه مع باقي المحتجزين، حتى لا يتعرض لمضايقاتهم، كما كان يراهم من بعيد أثناء الزيارة، ويتبادلون إشارات التحية، ويتحدث عن أنه رأى مخالفات بالغرفة، تتمثل في إدخال بعض أنواع المخدرات وأجهزة الموبايل الصغيرة داخل علب السجائر وأشياء أخرى.
بسبب عدد المحتجزين الذي يتجاوز الأربعين في غرفة مساحتها لا تتعدى الثلاثين مترًا، يقسّمون أنفسهم إلى مجموعتين في النوم، مجموعة تنام ليلًا، والأخرى تنتظر النهار، ينامون مصطفِّين على جنوبهم، بين كل محتجز ومحتجز، آخر ينام بشكل عكسي، يضع رأسه وسط أرجلهم، ولا يُسمح لهم بالتقلب لضيق المكان.
وعن زملائه المحتجزين، يتحدث "علي" عن وجود بعض الممارسات الذكورية الشاذة، وأنه كان يحاول طوال الوقت أن يدفع بهم بعيدًا عنه، حتى لا يتعرض لاعتداءاتهم، ويضيف أنه كان يقضي وقته في التفكير في حاله، ومستقبله الغامض، في الغرفة خافتة الإضاءة ورمادية اللون، والمليئة بدخان السجائر، وكان دائم قراءة القرآن التي تنسيه همومه.
أما حمام الحجز فهو عبارة عن حفرة تم تجهيزها بالبلاط في غرفة داخلية مساحتها مترًا واحدًا، ولا يستطيع أحدهم أن يأخذ وقتًا كافيًا في قضاء حاجته بسبب كثافة الأعداد.
لا يتمنى "علي" أن يدخل ذلك المكان مرة أخرى، ويطالب بإعادة النظر في أوضاع غرف الحجز، وأن يتم فصل المحتجزين بحسب شرائحهم، وسابقاتهم في الإجرام.