ما هى تهديدات "العائدون من سوريا والعراق" للمجتمعات الغربية

ما هى تهديدات "العائدون من سوريا والعراق" للمجتمعات الغربية
تكرس المنظومةُ الجهادية حالياً في تعاملها مع الصراع السوري والعراقي عبر تنظيم داعش، لفكرة العالمية، والتي تتطلب بطبيعة الأمر تكوين شبكات عالمية لتجنيد عناصر أجنبية تشارك في الصراع، حيث يحمل القتال داخل سوريا والعراق آليات جديدة لاستقطاب المقاتلين الأجانب على سوريا والعراق.
ومع تزايد أعداد الأجانب المنضمين إلى التنظيمات الإرهابية تجددت المخاوف الغربية من إمكانية مواجهة موجة إرهابية جديدة، يتسبب فيها المقاتلون العائدون من صراعات الشرق الأوسط.
في هذا الإطار نشر المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة تقريرا مفصلا عن دراسة نشرها معهد بروكينجز، للباحثان "دانيال بيمان" و"جيرمي شابيرو" بعنوان"يجب الخوف.. ولكن الخوف بحدود: التهديد الإرهابي للمقاتلين الأجانب الغربيين في سوريا والعراق"، قاما فيها بإلقاء الضوء على التهديدات التي يشكلها المقاتلون الغربيون في سوريا والعراق على الدول الغربية بعد عودتهم من مواقع القتال.
بدأ الباحثان بالإشارة إلى المواطن الفرنسي مهدي نيموش منفذ حادثة إطلاق النار داخل المتحف اليهودي ببروكسل، والتي تسبب في مقتل أربعة أشخاص في مايو 2014، وأُثيرت وقتها تساؤلات حول الأسباب التي دفعت بنيموش -الذي قضى عامًا في القتال داخل سوريا - إلى تبني توجهات متطرفة ضد الغرب.
واعتمد الباحثان في دراستهما على نموذج يتتبع المسار الذي يحول أي شخص جهادي من مجرد مقاتل يشارك في ساحات القتال الخارجية إلى عنصر مهم في الشبكات الإرهابية داخل المجتمعات الغربية نفسها والتي تعتبر موطنه الأصلي.
ورصد النموذج الذي اعتمدت عليه الدراسة المراحل التي يمر بها المقاتل بداية من اتخاذ قرار المشاركة في القتال الخارجي، والتي تنطوي على العديد من العوامل، منها رغبة النضال ضد غزاة أو أنظمة حكم ظالمة، أو دافع آخر يكمنُ في الطموح الشخصي لدى المقاتل بالانخراط في مغامرات جديدة، مرورا بمرحلة الذهاب إلي ساحات القتال الخارجي، والتي يجد فيها قنوات اتصال مع شبكات تجنيد أخرى مسؤولة عن استقطاب عناصر جديدة للصراع، وتوفر للمقاتل المعلومات التي يحتاجها حول المسارات التي سيمر بها في طريقه إلى منطقة الصراع، إضافة إلى مرحلة تلقي التدريبات اللازمة للمشاركة في العمليات الجهادية، والتي تكرس في المقاتلين الشعور بأهمية القتال، وتطوير قدراتهم العسكرية القتالية، حتى عودته إلى موطنه الأصلي بعد منحه قدرة على التأثير في الآخرين يمكن توظيفها في زرع الأفكار المتطرفة، وتنفيذ عمليات قتالية في بلده.
وفي إطار التساؤل الرئيسي للدراسة وهو" المخاوف الغربية من إمكانية مواجهة موجة إرهابية" رصد الباحثان عدة عوامل تخفف من وطأة التهديدات التي يشكلها المقاتلون الأجانب، مقارنة بالعوامل الدافعة لتعزيز هذه التهديدات والمخاوف وجاءت كالتالي:
-أولا: العوامل الدافعة لتعزيز هذه المخاوف من موجة إرهاب جديدة في الغرب والتي تمثلت في:
1- تزايد أعداد المقاتلين الأجانب داخل سوريا والعراق، حيث أفادت تقديرات الإدارة الأمريكية في سبتمبر الماضي بأنه تدفق على سوريا والعراق ما يتراوح بين 12 ألفًا و15 ألف مقاتل أجنبي، منتمين إلى 80 دولة وكان أغلبية المقاتلين قادمون من دول عربية وإسلامية وكانت سوريا في مقدمة هذه الدول، وهو ما أرجعه الباحثان إلى تطورات الصراع داخل سوريا وعدم حسمه.
2- سهولة الانتقال إلى ساحة القتال: فالوضع في سوريا يمكن المقاتلين الغربيين من الانتقال بشكل يسير إلى هناك عبر الحدود التركية السورية الممتدة دون المطالبة بالتأشيرةً.
3- الاعتماد على منظومة معقدة من الدوافع المحفزة للجهاديين، فوفقا للدراسة يُظهر الصراع في سوريا والعراق تنوعًا في دوافع المقاتلين الغربيين تتراوح بين الرغبة في الدفاع عن الشعب السوري ضد النظام الحاكم، والإيمان بفكرة الجهاد العالمي.
4- العلاقات مع الشبكات الجهادية المتنوعة، حيث أشارت الدراسة إلى أن الصراع الدائر في سوريا يوفر للمقاتلين الغربيين فرصة للاحتكاك بالشبكات الجهادية المنتشرة هناك كتنظيم القاعدة وجبهة النصرة.
5- وسائل الإعلام الجديدة؛ حيث أشار الباحثان إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي (مثل: فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب) أصبحت منصة رئيسية يتم من خلالها الترويج للأفكار الجهادية، ومن خلالها تتم عملية الحشد للمقاتلين الغربيين.
وبعيدًا عن هذه العوامل المحفزة للتهديدات؛ فإن هناك عوامل أخرى تخفف من حدة التهديدات التي يشكلها المقاتلون العائدون إلى المجتمعات الغربية، وتتمثل هذه العوامل في النقاط التالية حسب الدراسة:
1- الشعور بالعداء للغرب: وهو أمر وصفته الدراسة بأنه يتسم بدرجة كبيرة من التفاوت بين المقاتلين الغربيين المشاركين في سوريا والعراق، فالبعض منهم يشارك في الصراع هناك وتكون لديهم مشاعر عداء تجاه الغرب، وآخرون لا تكون لديهم مثل هذه المشاعر، ولا يؤدي اشتراكهم في الصراع إلى اكتسابهم مثل هذه المشاعر، ومن هنا فلا يُمكن إصدار تعميم بأن كل المقاتلين الغربيين سيعودون إلى مجتمعاتهم لتنفيذ عمليات إرهابية.
2- الاقتتال الداخلي بين التنظيمات، وهوعامل وصفته الدراسة بأنه يؤثر على الصورة المثالية للجهاد داخل سوريا، واستندت الدراسة في هذه النقطة على تعرض العديد من المقاتلين الغربيين للقتل في ساحات الصراع بسوريا والعراق، بخاصة مع تضاؤل الخبرات القتالية لأغلب المقاتلين الغربيين.
3- نوعية التدريب: توضح الدراسة أن المقاتلين في الصراع السوري الراهن، يتلقون التدريبات على حرب العصابات ومواجهة القوات النظامية دون أن يتلقى التكتيكات اللازمة لتنفيذ عمليات إرهابية مؤثرة في الغرب الأمر الذي يقلل من حدة التهديدات والمخاوف من موجة إرهابية جديدة في الغرب.
4- دور الأجهزة الأمنية: حيث اكتسبت الدول الغربية خبرات كبيرة من الصراعات الماضية التي أسفرت عن التعرض لهجمات إرهابية مؤثرة كان أهمها هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن هذا المنطلق تشير الدراسة إلى ضرورة تزايد اهتمام الأجهزة الأمنية الغربية برصد أنشطة المقاتلين الموجودين بسوريا والعراق، إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن هوية المقاتلين، وتوفير معلومات مطلوبة للأجهزة الأمنية.
وتشير الدراسة في نهاية تحليلها إلى ضرورة أن تُضيّق الحكومات الغربية السفر إلى سوريا، مشددة على ضرورة أن تقوم الأجهزة الأمنية بعملية فرز للعائدين من مواقع الجهاد المختلفة، وتحديد الأكثر خطورة من بينهم، في محاول لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع مع تدخل القوات الأمنية مع العناصر التي تسعى لتنفيذ عمليات إرهابية داخل المجتمعات الغربية.