«الديوان» نموذج للتكافل والترابط.. من هنا تدار شئون العائلات في الأقصر

كتب: أبو الحسن عبد الستار

«الديوان» نموذج للتكافل والترابط.. من هنا تدار شئون العائلات في الأقصر

«الديوان» نموذج للتكافل والترابط.. من هنا تدار شئون العائلات في الأقصر

لكل عائلة في صعيد مصر ديوان يمثلها، يحمل اسمها ويعتبر رمزا لها، تقام فيه كل المناسبات الاجتماعية السعيدة والحزينة، إذ ما زالت عائلات الصعيد يحكمها الترابط والتعاون فكلمة عائلة في الأقصر وفي الصعيد لا تعنى الأسرة المكونة من الأب والأم والأبناء، ولكنها تشمل الأقارب من الدرجات المختلفة، ومن الممكن أن يصل عدد أفرادها إلى المئات.

جلسات الصلح بين المتخاصمين

الديوان هو مبنى كبير ممتلئ بـ«الدكك»، تلك الأريكات الخشبية التي يجلس عليها أفراد العائلة في مناسباتهم، وفيه يتم عقد جلسات الصلح بين المتخاصمين، ومناقشة المشكلات التي يتعرض لها أفراد العائلة لإيجاد الحلول لها، وذلك في وجود كبار العائلة وهم الرجال الأكبر سنا، وتكون كلمتهم مسموعة وتُنفذ على الكبير قبل الصغير.

مبنى مكون من طابق أو طابقين

الديوان أو الخيمة كما يطلق عليها في بعض قرى الأقصر، هو مبنى مكون من طابق أو طابقين بحد أقصى، ويقع على مساحة واسعة تصل لـ500 متر، ويوجد به صالة كبرى تضم مئات «الدكك» لاستقبال الضيوف، كما يحتوي على مطبخ كبير وبوفيه ودورات مياه ومقاعد لاستقبال الضيوف، وبه لوازم الأفراح من أواني وسرادق وغيرها، أما الطابق الثاني فهو يعتبر بمثابة مكان مخصص لتناول الطعام في الأفراح والعزاءات.

نموذج للتكافل والتكامل والترابط

يقول أبوالحسن حافظ عبدالحكيم، أحد أهالي قرية العوامية بالأقصر، إن لكل عائلة في البلدة ديوان يمثلها، إذ يعتبر المقر الرسمي لكل عائلة، تستضيف فيه كل مناسباتها، مثل حفلات الزفاف، واستقبال المعزين في الجنازات، كما يعد الديوان نموذجا للتكافل والتكامل والترابط بين أفراد العائلة، ويوجد أيضا ما يسمى بـ«جمعية الديوان»، وهي عبارة عن تجميع مبالغ مالية معينة وثابتة سنوياً من كل فرد في العائلة، لشراء ما يلزم الديوان لاستقبال المناسبات، وكذلك تجديد فرش الديوان أو إعادة بناءه أو ترميمه، وأيضاً للمساعدة في تزويج فتيات العائلة أو شبابها من غير القادرين.

الديوان رمز لهيبة العائلة ومكانتها

ويضيف صدام الهمامي، أحد أهالي النجع الطويل بالكرنك شمال الأقصر، أن الديوان يعتبر رمزا لهيبة العائلة ومكانتها، إذ يتم تقييم العائلة من خلال الديوان ومدى فخامته وقِدمه، وتتباهى العائلات في بناء الدواوين وتوسعتها، وكذلك الزيادات، من حيث الفرش والتشطيب، فتجد دواوين العائلات الأكثر ثراء تحتوي على أجهزة تكييف للصيف ومدافئ للشتاء، بالإضافة للفرش الفاخر من حيث السجاد والأريكات الفاخرة والإضاءة والمراوح وغيرها.

كما تعد الدواوين مركزا مهما لتجميع الأصوات خلال فترة الانتخابات والتشاور بين أفراد العائلة لاختيار مرشحا يمثلهم، كما تتم فيه استضافة المرشحين في انتخابات النواب والشيوخ.

اعتراف رسمي بالانتماء للعائلة

ويشير محمد عبدالواسع، أحد أهالي قرية القبلي قامولا، إلى أن انتماء الشخص للديوان هو اعتراف رسمي بانتمائه للعائلة، موضحا أن من يفعل شيئا مشينا أو فاضحا من أفراد العائلة، يتم إخراجه من الديوان وجمعيته، ويكون بمثابة تصريح واضح من العائلة بأن هذا الشخص لا ينتمي لها، ويلحق ذلك الفعل بالعار للشخص وأسرته طوال حياته.

الديوان يعود إلى العصر العثماني

من جانبه، يقول الدكتور محمد إمام، الباحث في التراث الشعبي، إن الديوان هو من أكثر المؤسسات الفاعلة ذات التأثير في المجتمع، ويعبر عن بُعد سياسي واضح، يعود إلى العصر العثماني، وكلمة ديوان مأخوذة من الديوان أو الوزارة أيام الملكية، وهو المكان الذي يجري الاجتماع فيه للنظر في أمور الدولة، ومن هنا جاء أصل الديوان وسبب إنشائه.

ملكية الديوان

ويتابع: ملكية أرض الديوان لا تخص شخصا بعينه في العائلة، ولا يتذكر أفراد العائلة من مالكها الأصلي ومتى أنشأ عليها الديوان، فهي تعتبر مثل الوقف، ولا يجوز التصرف بها أو بيعها، ويعتبر من العار الشديد على العائلة أن تباع أرض ديوانها، فمكان الديوان من الثوابت وحتى أنها تكتب في العناوين.


مواضيع متعلقة