"العور".. مرقد الشهداء.. قرية الحزن و"اليُتم"
![](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/315383_Large_20150216081043_12.jpg)
«العور».. مرقد الشهداء، وقرية الفقر، هناك وعلى بعد 20 كيلومتراً غرب مركز سمالوط شمال المنيا، تحاصر الظروف المادية القاسية 13 ألف نسمة، أغلبهم من المسيحيين، الفقر وحده هو الآفة التى دفعت مئات الشباب منهم إلى الهجرة، وبالتحديد إلى ليبيا، بحثاً عن الرزق الحلال، قَبل كثيرون منهم الذل مقابل لقمة العيش، ووقع البعض الآخر أسيراً للعصابات الإرهابية، فنال الشهادة.
يقول وسيم شكرى من أهالى القرية، قبل عيد الميلاد بأيام جاء الخبر المشئوم باختطاف 13 من أبناء القرية، ليقتل الخبر فرحة العيد، وتتحوّل الفرحة إلى مأتم جماعى، وتباينت الأحوال ما بين زوجة باكية وطفل يصرخ وأم تتألم وأب يتحسّر، وصاحب وجار لا يملك شيئاً ليقدمه.
ويضيف إسحق وديع، لا توجد هنا فرص عمل حقيقية، والرقعة الزراعية مساحتها ضيقة للغاية، والخدمات الحكومية تكاد تكون معدومة، كل هذا دفع خيرة شباب القرية إلى الهروب من جحيم الفقر والبطالة إلى جحيم الاختطاف أو القتل والإعدام فى بلد سافروا إليه لعلهم يجدون ما يعوضهم ويعوّض أسرهم التى تركوها بلا عائل، مضيفاً أن القرية هنا بعيدة عن أعين المسئولين، والظروف القهرية التى يعيشها البسطاء أجبرتهم على ترك أبنائهم وأسرهم، ربما يجدون لقمة العيش التى افتقدوها داخل وطنهم فى بلد غريب تحكمه الفوضى والإرهاب.
ويصف مايكل عياد من شباب القرية، أحوال أسر الشهداء، قائلاً: معظمهم يقيم بمنازل مشيّدة بالطوب اللبن، ومسقوفة بسعف النخيل (الجريد)، ولمبات الكهرباء لا تراها العين من دخان ينبعث بكثافة عندما تلتف الأسرة حول «منقد» النار للتدفئة. ويضيف أن الشهيد يوسف شكرى سافر لأول مرة إلى ليبيا للعمل، ليساعد أسرته فى مواجهة ظروف الحياة القاسية، وجميع الشهداء كانوا يريدون العودة إلى مصر لحضور أعياد الميلاد، لكن الظروف السيئة والصراع المسلح هناك منعهم من ذلك. وتابع: اللى رمى أولادنا على المر اللى أمر منه، كما أن معظم المخطوفين غير متزوجين، ومنهم صموئيل إسطفانوس وشقيقه بيشوى، وأبانوب عياد، ومينا فايز، وبيشوى عادل، وهناك أطفال أبرياء حرموا من آبائهم، حيث إن الشهيد هانى عبدالمسيح متزوج ولديه طفلتان هما «مريم، وسالى»، وماجد سليمان متزوج ولديه بنت كبيرة عمرها 15 سنة، بالإضافة إلى ولدين هما «صموئيل ومكرم»، وجرجس ميلاد وهو متزوج ولديه 5 أطفال، وميلاد مكين خاطب، وملاك إبراهيم خاطب، والشهيد هانى عبدالمسيح ترك 4 أولاد 3 بنات وولد واحد وأسرته تعيش فى منزل بسيط مبنى بالطوب الأحمر، كما أن هناك 4 أطفال رضّع، كانوا يأملون وينتظرون عودة آبائهم الذين لم يشاهدوهم منذ ولادتهم، وهم بيتر ملاك فرج وعمره عام واحد، وبولا صموئيل ألهم ويلسن، وعمره عام ونصف، ومريم سامح صلاح وعمرها 9 أشهر، ومريم لوقا نجاتى أنيس، وعمرها عام.
ويقول نبيل سعد، أحد أهالى القرية: «المصرى من زمان مالوش تمن ولا سعر، ودايماً مهان خارج بلده، زى ما هو مالوش سعر جوه بلده والحكومة لازم تتحرك وتشوف المصريين فى كل مكان ليه مالهمش حد يسأل عليهم». ويضيف: «لما كنت فى الأردن والكويت، كل السفارات كانت بتسأل عن رعاياها وتأمنهم، لكن المصرى لو مات محدش يعرف عنه حاجة، مات ليه وإزاى وإمتى وفين ومين قتله ولا اللى خطفه، ولا عايش إزاى، وفى الآخر الحكومة تقول الشباب بيسافر ليه»، ويضيف «سعد»: «الشهيد يوسف شكرى يونان وُلد يتيماً وكان فلاحاً أجيراً، يوم فيه شغل وعشرة مفيش رغم أنه حاصل على دبلوم زراعة، لكن ضيق العيش أجبره على السفر مع كثير من الشباب إلى مكان مجهول المصير، وهو أوسط إخوته، ولم يجد ما يعينه على العيشة هنا فى قريته، فسافر لكى يدخر مبلغاً للزواج»، وتابع «كنا فى مأساة تعيشها قرية كاملة دون تحرك دولى أو مصرى سريع لمعرفة الجناة أو تحرير أبناء مصر فى ليبيا، حتى تم ذبحهم، وهم عند الرب ذاك أفضل». كانت قرية العور تحولت إلى سرادق عزاء كبير جمع أسر الضحايا وأقاربهم وأصدقاءهم، وقرر الأنبا بفنتيوس أسقف الأقباط الأرثوذكس بمركز سمالوط، إقامة صلاة جنازة موحّدة بالقرية، كما قرر محافظ المنيا صلاح الدين زيادة، تقبّل العزاء داخل القرية بعد أن كان مقرراً إقامته بكنيسة مارمرقس بمدينة سمالوط، وكان البكاء الهيستيرى والصراخ والعويل سيد الموقف أمام كنسية السيدة العذراء بالقرية، التى شهدت تجمع عدد من أسر الشهداء، مما أدى إلى وجود حالات إغماء، حيث استقبل مستشفى الراعى الصالح، التابع لمطرانية سمالوط للأقباط الأرثوذكس، 8 من أقارب وأهالى القرية، مصابين بحالات إغماء وصدمات عصبية بسبب بشاعة الحادث الإرهابى، وهم عياد عبدالمسيح صليب، ومريم إسطفانوس كامل، وهناء منير بطرس، وإبراهيم سنيوث هندى، ومريم فرحات، وفايزة لويس زكى، وفايزة إسطفانوس كامل، وصموئيل شنودة إبراهيم. وفى السياق ذاته، وجه الشيخ محمد أبوحطب وكيل وزارة الأوقاف بالمنيا، الذى حرص على الوجود ضمن وفد من المحافظة، بضرورة استمرار الجيش المصرى فى شنّ الغارات الجوية على إرهابيى «داعش»، للقضاء عليهم جميعاً، للثأر لمقتل المصريين.
وقال «أبوحطب» إن الدين الإسلامى برىء من القتل والإرهاب، كما أن جميع الأديان السماوية تنهى عن التمثيل بالقتلى، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه» ولم يقل المسلم، ويقول الله عز وجل فى كتابه الحكيم «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» ولم يقل الله سبحانه وتعالى من قتل مسلماً.
وأوضح «أبوحطب» أن مفهوم الجهاد خاطئ لدى هؤلاء الإرهابيين، مطالباً المصريين بالتكاتف على رجل قلب واحد والتعاون مع الجيش والشرطة، إعمالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، «من رأى منكراً فليغيره». يُذكر أنه عقب خطف الشهداء فى مطلع شهر يناير الماضى، أرسلت أسرهم استغاثة إلى رئيس الجمهورية يطالبون فيها بسرعة التحرّك لإعادة أبنائهم المختطفين بمدينة سرت الليبية.