تقرير اسرائيلى يكشف الدور الإسرائيلى فى صناعة "داعش"

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

وهكذا تتكشف يوماً بعد يوم حقائق المؤامرة التى تستهدف المنطقة بزعم مقاومة إرهاب داعش والقضاء عليه، ومن ثم تحقيق الأهداف الحقيقية المتمثلة فى إعادة رسم خريطة المنطقة واستنزاف ثرواتها، وتمكين إسرائيل من السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية عليها. فى منتصف العام الماضى وصل إلى إحدى العواصم العربية نص تقرير أمنى إسرائيلى سرى يتضمن معلومات على جانب كبير من الأهمية ويكشف عن حجم التعاون بين‮ «‬داعش‮» ‬وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية‮.‬ ويحمل التقرير عنوان‮ «‬القتل الإلهى‮.. ‬من الإخوان المسلمين إلى الدولة الإسلامية‮ (‬داعش‮)»‬، ‬حيث يقول‮: «‬ترجع علاقاتنا الحالية‮ (‬بمعنى الإدارة المباشرة التفصيلية‮) ‬مع الحركات الإسلامية إلى بدايات القرن‮. ‬بالتأكيد منذ أن قررت الولايات المتحدة منهجياً اعتماد الإخوان المسلمين ركيزةً‮ ‬سياسيةً‮ ‬لهم فى المنطقة، ‬وقُبيل حربى أفغانستان والعراق، ‬بدأت العملية بطلب أمريكى لخدماتنا بسبب علاقاتنا الجيدة مع الأتراك، ثم تدرجت الطلبات، ‬وسيطرنا على حلقات الاتصال، ووفرنا لهم العمق النظرى (‬خاصة‮ ‬فى إعداد المادة الفقهية التى تسهل إصدار الفتاوى التى يهمنا أمرها‮)».‬ ويقول التقرير‮: «‬إن حقيقة تنظيم الإخوان أنه يشبه العنقود، فنظرياته الفقهية تسمح بممارسة العنف بالجرعة التى يختارها القائد المحلى، ‬وهذا يعنى زيادة قدرتنا على توجيهها بأدق التفاصيل، يضاف إلى ذلك أن هذا التنظيم، إلى جانب كتابات مفكريه التاريخيين، ‬لديه تقاليد فقهية‮ ‬غير مكتوبة، لكنها حاضرة للاستدعاء عند الحاجة‮. ‬ومن هذه التقاليد «التقية» ‬التى تسمح للمنتسب إلى التنظيم بالكذب على مَنْ‮ ‬هو خارج التنظيم، ‬مما يسمح بتفسير تصرفهم، الذى يستغربه الكثير من المراقبين‮. ‬وعندهم موضوع «وحدة الإسلام»، ‬وهو الذى يسمح لهم بالتعامل مع إيران على أساس فقهى متين‮. ‬إلا أن ذلك لا يمنعهم من تصنيف الشيعة فى صف الرافضة، وبالتالى، إحلال دمهم‮. ‬كذلك، ‬فإن عندهم تأثيرات تأتى من عمق التجربة الإسماعيلية التى كانت تعتمد جزئياً على التأويل، ‬واستعمال الغريب فى تفسير القرآن، لإضفاء صفة التفوق على القيادات الذين كانوا يحملون لقب‮ «‬الدعاة‮» كل هذا يجعل من عنقود تنظيمات الإخوان المسلمين شبكة طيّعة، سلسة قابلة للاستعمال ميدانياً‮».‬ ويرى التقرير‮ ‬أنه «فى كل هذه التنظيمات عنصر مشترك إضافى، هو أن الأموال مودعة بأسماء القيادات مباشرة، عادة فى مصارف أوروبية‮ (‬السويسرية منها هى أكثرها شعبية‮)‬، وبعضهم يستعمل مصارف عربية‮ (‬مثل المصارف الكويتية‮). ‬إلا أن بعضهم يفضل أن يحتفظ بالنقد (‬كاش‮) ‬أو الذهب أو الماس، ‬فى منزله أو عند زوجته‮. ‬فالقيادة هى التى تتعامل مع المال، ‬وهى التى توزع الرواتب‮. ‬إن السلطة هى جزئياً سلطة المال‮. ‬لذلك، ‬تحصل الخلافات بين القيادات، ‬وتنفصل القيادات عن بعضها‮».‬ ويشير التقرير إلى أن‮ «‬تأسيس الدولة الإسلامية يرجع إلى حرب الشيشان الأولى مع روسيا عام ‮ ‬1991‮ ‬- ‮‬1995، التى أدت إلى قيام الشيشان بتهجير‮ ‬غير المسلمين، ‬وأكثرهم طبعاً من أصول روسية‮. ‬لقد شاركت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية فى هذه الحرب عن طريق توفير المعلومات العسكرية ومهمات التهديف‮. ‬وعند خسارتهم لهذه الحرب ‬قاموا بتأسيس الدولة الإسلامية‮. ‬كانوا معترفين بالجميل، ‬ووعدونا بشكل واضح بنبذ أى عداء لإسرائيل، ‬والتركيز على عداء أعداء الإسلام، ‬وعلى رأسهم روسيا‮».‬ ويقول التقرير‮: «‬إلا أن اشتعال الحرب الشيشانية الثانية عام‮ ‬1999‮ ‬كان أشد أهمية، ‬فبعد خسارتهم الحرب ‬انتظم حوالى ألفين من العناصر التى كانت قد عملت فى الجيش الروسى، ‬خاصة فرق الكوماندوز، ‬إن خبراتهم القتالية تكاد لا تُقارَن‮. ‬اجتمع قادتهم وأسسوا الدولة الإسلامية، ‬بتوجيهنا وتنظيمنا وتمويلنا، ‬وقد أُتيحت لنا فرصة تجربتهم فى جورجيا (2005 - 2008). ‬وتعلمنا من هذه التجربة أن الفقه الدينى أفضل من مفعول المال عند المرتزقة‮. ‬إن المرتزق الوحيد هو زعيم الفرقة‮. ‬كل الباقى ذئاب كأسرة، ‬إلا أنهم يُساقون للقتال كالخراف، ‬دون أى تبرير مقنع‮».‬ ويقول‮: «‬عندما أتى دور العراق رأت القيادة أن الوقت قد حان لإعلان الدولة الإسلامية فيه‮. ‬كان من الضرورى انتقاء شخصية قادرة على إدارة البرنامج الجديد‮. ‬وقد ساعدنا السيناتور ماكين والإدارة السياسية فى واشنطن على انتقاء أبوبكر البغدادى‮».‬ ويقول‮: «‬كما توقعنا، ‬فقد نجح إعلان الخلافة فى استنفار عدد كبير من المحاربين السنّة من جنسيات مختلفة‮. ‬وكان من أول المنتسبين فرقتنا الشيشانية التى شجعناها على الانضمام‮».‬ يقول التقرير‮: «‬إن سيطرتنا محصورة بأربع نقاط‮: ‬ ‮‬الأولى‮: ‬هى اعتماد الدولة الإسلامية علينا بشكل كامل فيما يتعلق بالتهديف والاتصالات، ‬إنهم يكوّنون قوة محلية شديدة، ‬إلا أنها قوة عمياء‮. ‬نحن نوفّر لهم قدرة النظر، ‬ونسيطر بطبيعة الحال على اتصالاتهم الهاتفية وتسهيلات الإنترنت التى يستعملونها‮.‬ ‮‬الثانية‮: ‬لدينا مجموعة الشيشان، ‬الموجودة فى كل الوحدات، ‬وهى تساعدنا فى السيطرة على هذه الوحدات بسبب قدراتها القتالية المتقدمة نسبياً، ‬ونحن على اتصال مباشر معهم‮.‬ ‮‬الثالثة‮: ‬نسيطر بطبيعة الحال على أموالهم وتمويلهم، ‬وذلك بسبب حاجة الجميع إلى استعمال المصارف واعتماد الدولار لتحويل الأموال‮. ‬ويساعدنا هنا تنظيم الإخوان بشكل منضبط‮.‬ ‮الرابعة‮: ‬شبكة المشايخ الذين تدربوا على أيدى مجموعاتنا، ‬وندين بذلك إلى العمل الفقهى الجبار الذى قامت به الجامعة العبرية فى توفير القرائن والبراهين والشروحات والمراجع لتسهيل مهمة الدعاة الذين نعتمد عليهم‮».‬ ويقول‮: «‬إلا أن سيطرتنا تتوقف هنا‮. ‬نحن لا نقرر أو نساهم فى قرارات انضمام المتطوعين، ‬وبالتالى زيادة عدد الكتائب التى تؤلف جيشهم‮. ‬إنهم تنظيم عسكرى بهندسة متغيرة، ‬قد يزيد أو ينقص عددهم حسب نجاحاتهم أو فشلهم فى مسار سير العمليات‮».‬ تقييم الدولة الإسلامية ويرى التقرير أن قدرة الدولة الإسلامية الفعلية المؤلفة من عسكريين مجربين هى‮ ‬13500‮ ‬جندى، ‬منهم‮ ‬950‮ ‬من الشيشان‮ (‬يبقى حوالى ألف آخرين، ‬نستعملهم كاحتياط، ‬وهم موجودون فى جروزنى، ‬وأكثرية الباقى هم من العراقيين والسوريين وبعض العرب‮ (‬من تونس وليبيا والسعودية‮). ‬الجندى السعودى والعراقى يتعلم بسرعة‮. ‬يصبح أداة قتل هائلة عندما يستكمل تدريبه‮. ‬إن الشيشان كلهم من فرق الكوماندوز الروس، ‬وعندهم كفاءة قتالية تتفوق فى بعض أوجهها على التدريب الأمريكى المماثل، ‬لذلك، ‬فإن دورهم رئيس فى تحويل المقاتلين العرب إلى محترفين‮».‬ ويقول‮: «‬هؤلاء الجنود يتسلمون رواتب شهرية‮. ‬بعضهم يفضل تسلمها مباشرة، ‬وبعضهم يرسل أكثرها لأهله‮. ‬ونهتم نحن بذلك‮».‬ ويقول‮: «‬لقد انضم للدولة الإسلامية بالترجيح حوالى‮ ‬6000‮ ‬إلى‮ ‬7000‮ ‬متطوع، ‬أكثرهم، ‬وربما كلهم، ‬بلا خلفية عسكرية، ‬إلا أن هذا العدد يتغير من يوم لآخر‮. ‬فقد انضم أكثر من ألفين منهم خلال أيام الانتصارات فى الموصل، ‬غير أن أكثر من ألف‮ ‬غادروا بعد ابتداء الضربات الأمريكية‮. ‬هناك تنظيمات صغيرة كثيرة‮ «‬تبايع‮» ‬الدولة الإسلامية لأنها توفر للقيادة منطقة مأمونة تستطيع أن تسبى بها وأن تسرق‮. ‬إن عمليات القتل الوحشية التى تمارسها هذه المنظمة موجهة جزئياً لمتطوعيها، ‬كى تردعهم عن المغادرة‮. ‬كذلك، ‬فقد أُجبر عدد من المتطوعين على ممارسة الذبح أو عمليات الإعدام الجماعية لربطهم بالتنظيم، ‬بشكل يذكِّر بطرق المافيا الإيطالية‮».‬ .‬ ويقول‮: «‬لقد استطعنا تجربة اعتمادهم علينا‮. ‬لقد نقلنا فرقاً متعددة إلى الغوطة الغربية عبر الجولان، ‬وأخرى أكثر عدداً عبر النقب إلى شمال سيناء‮. ‬أمرنا إحدى المجموعات فى سيناء ‬فقتلوا عدداً من أفراد الشرطة لم نتابعهم، ‬وتركناهم بلا مواصلات لأقل من بضعة ساعات، ‬فاعتقلتهم القوات المصرية‮. ‬فى الغوطة، ‬لم نعطهم أى أهداف ‬فقاموا باعتقال قوات الأمم المتحدة‮. ‬إنهم آلة قتل وإرهاب‮! ‬ولم يحرجوا أبداً، ‬ورفعوا علمهم قرب العلم الإسرائيلى عندما سمحنا لهم بالعبور، ‬خوفاً من القوات السورية‮. ‬ليس عندهم أى وعى سياسى»!‬ ويقول‮: «‬نقوم بتدريب ما يقارب‮ ‬450‮‬إلى‮ ‬550‮ ‬شهرياً فى تركيا‮. ‬سوف يكون عدد الأجانب أقل ‬مع مرور الزمن‮. ‬إلا أن عدد المتطوعين المصريين والتونسيين والسعوديين وباقى الجنسيات العربية يكاد يكون بلا حدود‮».‬ ويقول التقرير‮: «‬إن تموين هذه المنظمة‮ «‬داعش‮» ‬لم ينقطع من تركيا‮. ‬بالمقابل، ‬فإن النفط هو عملة المبادلة، ‬نشتريه بحوالى خُمس سعر السوق، ‬سواء بالصهاريج أو بالسفن من ميناء جيهان‮».‬ ويقول‮: «‬أما موضوع إدارتهم المالية، ‬فهى تقريباً كما يلى‮: ‬ - إنهم يدفعون رواتب‮ (‬مبالغ‮) ‬زهيدة للمتطوعين‮. ‬هذا يشجعهم على النهب‮. ‬إلا أن الذى يتم الاستيلاء عليه من الذهب أو المعادن الثمينة يعود للقيادة، ‬ويُترك اليسير فقط للمتطوعين‮. ‬هناك تململ حول هذا الموضوع‮.‬ - ثم إنهم يتسلمون أموالاً‮ ‬تأتيهم من متبرعين فى السعودية والكويت وعدد من الدول‮. ‬قطر تساعد أيضاً، ‬وإن كانت تغير مواقفها من يوم إلى آخر‮. ‬إن سيطرتنا كبيرة، ‬إلا أنها ليست كاملة‮.‬ - إن مجموع ثروتهم‮ ‬يصل إلى‮ ‬350‮ ‬مليون دولار تقريباً‮. ‬إنهم يظنون أن أصولهم أكثر من ذلك بكثير‮. ‬إلا أن الذى يعيش فى الموصل فى الظروف الحالية لا يستطيع التحقق من شىء‮. ‬نحن نرسل لهم من أموالهم ما يكفى لمتابعة القتال والغزو‮».‬ و