الحوار الوطني.. مشروع الوطن الأكبر
أتابع باهتمام شديد معظم جلسات الحوار الوطنى الذى انطلق منذ فترة قصيرة.. أختلس الوقت أثناء ساعات العمل لأتمكن من متابعة كل الجلسات، حتى تلك الجلسات التى تتم فى وقت متزامن.. أحرص على معرفة كل ما دار فى جلسة، بينما أتابع الأخرى سواء على شاشة التلفاز أو على البث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعى..!
يتعجب البعض من شدة الاهتمام الذى يبدو واضحاً علىّ نحو هذا الحدث حتى فى حواراتى فى الجلسات الخاصة بين أصدقائى وزملاء العمل.. البعض يظن أنه حدث لا يستحق كل هذا الاهتمام.. بل ويتعجب من تركيزى الشديد فى كل ما يقال.. ولكننى أرى أن الأمر لا يحتاج للتعجب بأى حال.. فالحدث بقدر ما يستحق الكثير من التقدير.. يستحق الأكثر من التأمل والتحليل.. والاستماع لكل ما يقال من الجميع على حد سواء..!
هو حدث تاريخى لا شك.. فهى المرة الأولى التى يجلس فيها الجميع -والجميع بكل ما تعنيه الكلمة- على مائدة «مستديرة».. لا تجمعهم سوى القيم الوطنية.. ولا يحمل أحد منهم أفضلية سوى بما يقدمه من فكر أو رأى.. الكل يعرف أن رأيه خاضع للتقييم.. الكل يدرك أن رأيه صواب يحتمل الخطأ.. أو خطأ يحتمل الصواب..!فى الجلسات التى عُقدت حتى الآن استمعت لأفكار فى شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية.. بعضها أراه يحمل المنطق بين طياته ويحتاج للتطبيق بعد توفير مظلة تشريعية مناسبة له.. وبعضها أراه يفتقد الواقعية ويحتاج للتطوير والتعديل..لم أجد تلك المزايدات التى تقع فى فخها المعارضة دوماً.. ولا ذلك الدفاع المستميت من النظام السياسى عن رأيه أو توجهه دون دليل أو مبرر.. وهو ما يؤكد صدق النوايا من الجميع.. والإصرار على إنجاح تلك التجربة غير المسبوقة فى تاريخ هذا الوطن..!
الطريف أن النقاشات يدور معظمها حول قضايا مجتمعية مطروحة بالفعل فى وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة.. يحاول الجميع تقديم حلول لها طبقاً لوجهات النظر المختلفة والرؤى المتباينة.. ما يؤكد أنه غير معزول عن الشارع.. أرى فى أجندة اللجان التى تم الإعلان عنها قضايا شائكة تحتاج لحلول حقيقية.. أرى قضايا الوصاية ومشروعات تطوير القطاع السياحى.. أرى مشكلات أخرى قديمة عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلها.. وتحتاج لأفكار خارج الصندوق..!
بحكم التخصص كانت أجندة لجنة الصحة على رأس اهتمامى.. فوجدتها تتضمن موضوعات شديدة الأهمية بالفعل كصناعة الدواء، ومستقبل التعليم الطبى، وتحسين أحوال العنصر البشرى فى القطاع الصحى ككل.. وكلها تعتبر من المشكلات المزمنة التى لا يعد علاجها مسئولية الحكومة وحدها بكل تأكيد.. لذا فمناقشة تلك القضايا مع الجميع هو السبيل للوصول إلى أرضية واحدة.. ومن ثم حلول واقعية مرضية..!
إن الحوار الوطنى المصرى ربما يكون علامة فارقة فى تاريخ هذا الوطن وحدثاً تاريخياً يغير من شكل العملية السياسية برمتها.. ويمنح شكلاً جديداً للحوارات المجتمعية فى شتى المجالات.. وربما يصبح شكلاً جديداً يحتذى به عالمياً فى التوافق وعرض الطروحات بين القوى السياسية فى الوطن الواحد..!
باختصار.. هو حدث شديد الأهمية.. ومشروع الوطن الأكبر من نوعه.. لذا فهو يستحق بكل تأكيد الاهتمام والمتابعة.. بالإضافة إلى التقدير والشكر العميق للقائمين عليه.. أو هكذا أعتقد..!