أمنية نساء عزبة الصفيح.. شقة فى العمارة «اللى هناك»

كتب: أحمد العميد

أمنية نساء عزبة الصفيح.. شقة فى العمارة «اللى هناك»

أمنية نساء عزبة الصفيح.. شقة فى العمارة «اللى هناك»

أمام سهل منبسط من قمامة منثورة وكلاب ضالة تحتضنها وتتدفأ بها وتلتهم ما فيها من طعام كملاذ لها عن البرد والجوع، تعتمد ظهرها على أريكة محطمة الهياكل ومهلهلة الكساء، ترنو ببصرها بعيداً نحو أبراج سكنية علت عليها طوال 60 خريفاً هى عمرها، قضت منها 25 فى منطقة «أبوالسعود» بمصر القديمة، بعدما حضرت إلى القاهرة مع زوجها الخفير وقطنا بإحدى مدابغ البساتين. بعينين تكادان تكونان مغلقتين، ووجه جاف لفحته الشمس الحارقة، تروى سيدة على إبراهيم معاناتها والنساء اللواتى يقطّن بـ«أبوالسعود» إحدى أكثر المناطق العشوائية والمهملة فى القاهرة: «جوزى مات من أكتر من 20 سنة وسابلى كوم لحم أربيه وأنا كنت ست لوحدى وربيتهم لحد أما صحتى اتهلكت»، حينما تزوجت ابن عمها رجب حسين قبل أكثر من 40 عاماً بسوهاج لم تكن تعلم أنه مصاب بمرض صدرى خطير، لكنها لاحظت معاناته مع المرض حينما حضرا إلى القاهرة وعمل بإحدى المدابغ خفيراً، وظل منهكاً من المرض قرابة 20 عاماً حتى توفى إثر إصابته بنوبة مرضية حادة، لتبدأ محنتها الخاصة مع الحياة فى تربية 4 فتيات وولد. تحابى العجوز على أحفادها من ثعابين تتساقط دوماً من سقف عشتها المسطوحة بألواح خشبية وصفائح أكلها الصدأ، كما حابت على أبنائها من قبل بل جاهدت لتُهيئ عشتها لاستقبال نجلتها «مصرية» الكبيرة هى وزوجها بعد أن عجزا عن تسديد قيمة إيجار منزلهما، وتتابع «أنا بقيت كبيرة وما أقدرش أعيش فى البرد ده، تعبت وبقى عندى روماتيزم»، تقولها وهى تنزل على أقدامها المتعبة من مسافة 30 متراً قطعتها من أريكتها على مدخل العزبة إلى داخل «عشتها» التى يكسوها الظلام ويضيئها قبل «اللمبة الوحيدة» خروقات تتخلل منها أشعة الشمس وتقفز منها القوارض وتزحف منها الثعابين والسحالى أحياناً، فبعد أن كدّت سنوات طويلة لتزويج أبنائها لم تكف الدنيا عن محنها المتوالية، فلا تزال تعانى البرد والجوع مع نجلتها «مصرية» عاملة نظافة وزوجها الباحث عن العمل بعد فقدانه «أكل عيشه» بمدابغ البساتين.[SecondImage] تتمنى العجوز التى تعيش على المساعدات الإنسانية ومعاش بقيمة 120 جنيهاً، أن تقطن ولو لعام واحد فى إحدى الشقق السكنية القائمة أمام العزبة، قائلة: «طول اليوم باقعد أبص على العمارات اللى هناك دى وأقول لو أقعد فى شقة فيها، بدل البرد والقرف اللى أنا فيه ده». علب صفائح كبيرة محشوة بالرجال والنساء المحشورين فيها، هكذا تبدو منطقة «أبوالسعود» التى سميت بعزبة «الصفيح»، يعيش الناس فى «عشش» أو غرف متناثرة قام الكثير منهم بالتخلى عن «الصاج والصفيح» واستبدلهما بالطوب الأحمر، وكل منزل مقسم إلى غرف تحوى كل واحدة منها أسرة كاملة، بل يقوم البعض بتأجير منزله متعدد الغرف إلى مجموعة من الأسر بقيمة 100 جنيه للأسرة الواحدة، ولذلك وجدت سميحة بكرى البجوشى 43 عاماً، فى العزبة ملاذاً آمناً بعدما انفصلت عن زوجها المعتاد على خيانتها فقررت الانفصال عنه دون أن تدرى أنها تحمل منه فى أحشائها «نور» التى ظلت ترعاها إلى أن بلغت 13 عاماً، بل وتواصل تجهيزها للزفاف بكومة من الملابس الجديدة وأجهزة كهربية بسيطة تزاحمها فى 3 أمتار هى مساحة غرفتها الوحيدة. وتقول «البجوشى»: «أنا نفسى أسكن فى المقطم وأهج من الأوضة دى، العقارب بتسقط علينا من السقف وبتجيلنا من تحت الباب»، الغرفة البسيطة التى تعيش بها السيدة الأربعينية ونجلتها «نور» تنتشر بها الشروخ التى تتسلل منها الحشرات والزواحف الصغيرة كالأبراص والسحالى، ولم تفلح قطع القماش فى سدها، حيث تواصل الفئران هجومها وتأكل تلك السدّادّات القماشية وتهبط إلى «جهاز العروسة» لتلتهم ما يحلو لها من «جلابيب» جديدة، حيث تضيف «البجوشى»: «مش عارفة أجهز البت من الفيران اللى بتاكل الجلاليب الجديدة والمفارش، والله تعبت وعايزة أمشى من هنا». وعلى بعد 6 أمتار من غرفة معاناة «البجوشى» تقف رشا ممدوح، 30 عاماً، تراقب صغارها الذين يلهون أمام غرفة منزلها العائلى ذى الطابق الواحد، تخشى أن تعاد الكرّة وتلدغ أحد أبنائها عقرب وتطرحه بأحد أسرة المستشفى، فتقول: «أنا العقرب وقع قدامى من سقف الأوضة وقرص بنتى وهى قاعدة وهرب، وفضلت ترجع وسخنت وبيتتنى فى المستشفى بسبب تعبها».